للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التاريخ يعيد نفسه]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واحد في ربوبيته، واحد في ألوهيته، واحد في أسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أيها الأحبة في الله: أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى واسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب، أن يحرم وجوهكم وجسومكم عن النار، وأن يجمعنا بكم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، إذ الداعي والباعث والغاية والمقصد من هذا اللقاء هو تحقيق محبة الله في الله ولله ولوجه الله، وفي سبيل الله وعلى طريق يرضي الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال صلى الله عليه وسلم: (المتحابون في الله على منابر من نور -لا هم بأنبياء ولا شهداء- يغبطهم الأنبياء والشهداء بمنزلتهم من الله) فأسأل الله جل وعلا ألا يحرمنا وإياكم هذا الأجر العظيم، أسأله سبحانه كما هدانا إلى الإسلام أن يثبتنا عليه، وأسأله سبحانه كما هدانا إلى الإسلام أن يمكنا بالإيمان، وأن يهدينا إلى الإحسان، وأن يوفقنا إلى طاعته.

أحبابنا: وبين يدي هذه المحاضرة، وأمة الإسلام جراحاتها نازفة وأشلاؤها متناثرة وجماجمها تحت دبابات وطائرات وقنابل أعدائها، بين يدي هذه المحاضرة، والمسلمون بكل أرض إما جريح أو شريد أو طريد، بين يدي هذه المحاضرة التي فيها نداء لي ولكم ولكل شاب، ولقد أكثرنا في نداء الشباب الذين ضلوا ولكنا قصرنا وفرطنا في نداء أنفسنا، ودعوة أنفسنا وتمحيص ما ندعيه من الإيمان والاستقامة والالتزام.

والدعاوى إن لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء

أيها الأحباب: نظرة متأملة لجانب من جنبات واقعنا المعاصر فيما يتعلق بأحوال إخواننا المسلمين، إن التاريخ يعيد نفسه في عام أربعمائة واثنتين وتسعين للهجرة، في أواخر القرن الخامس احتل الصليبيون بيت المقدس مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأولى القبلتين وثالث الحرمين، وعندما دخل الصليبيون المدينة، انطلقوا في شوارعها وبدءوا بالمساجد ثم إلى الدور يقتلون كل من لاقاهم وصادفهم، رجلاً أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، بل قال ابن الأثير: إن عدد القتلى من المسلمين زاد على سبعين ألف قتيل، منهم عدد كبير من أئمة المسلمين وعلمائهم وزهادهم وأكثر الناس فارق الأوطان، وقد روى شاهد عيان في كتب التاريخ ما فعله الصليبيون عندما دخلوا القدس، فقال: إن النساء كن يقتلن طعناً بالسيوف وطعناً بالحراب، وإن الأطفال الرضع يختطفون بأرجلهم والطفل منهم قد التقم ثدي أمه يرضع منها، ويقذف بالطفل من جنبات السور، بل وربما هشم رأس الطفل بأعمدة الخيام، وذبح خلق كثير، وقد كان لاحتلال هذا البيت وتلك القبلة، أثر عظيم في نفوس المسلمين، وإن التاريخ كما قلت يعيد نفسه، فأنتم ترون أعداء الإسلام لا يزالون يجثمون بكلكلهم على تلك القبلة، بل ومدوا نفوذ سيطرتهم وأطراف عدوانهم على كثير من بلاد المسلمين.

والحال بالأمس واليوم سواء، خاصة في فلسطين فقد ذبح خمسون وهم سجود، برصاص الغدر والخيانة، من أبناء القردة والخنازير عبدة العجل، وأكلة السحت، وقتلة الأنبياء، ومن أتباعهم وأذنابهم من الصرب في البوسنة والهرسك ومن بني عمومتهم من الهندوس في كشمير وغيرها ومن ومن ومن الواقع والتاريخ يعيد نفسه.

أحل الكفر بالإسلام ضيماً يطول عليه بالدين النحيب

فحق ضائع وحمىً مباح وسيف قاطع ودم صبيب

وكم من مسلم أمسى سليباً ومسلمة لها حرم سليب

وكم من مسجد جعلوه ديراً على محرابه نصب الصليب

دم الخنزير فيه لهم خلوق وتحريق المصاحف فيه طيب

أمور لو تأملهن طفل لطفل في عوارضه المشيب

أتسبى المسلمات بكل ثغر وعيش المسلمين إذاً يطيب

أما لله والإسلام حق يدافع عنه شبان وشيب

فقل لذوي البصائر حيث كانوا أجيبوا الله ويحكم أجيبوا

أي: يضمخون وهم لا يضمخون، بل ينجسون ويوسخون ويقذرون جدران المساجد بدماء الخنازير يعدونه وطيباً.