للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الغاية التي من أجلها خلقنا]

لقد خلقنا لغاية ألا وهي نداء من الله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:٢١] أول أمر في القرآن أمر بالتوحيد، وأول نهي في القرآن نهي عن الشرك، أول أمر في القرآن أمر بالعبادة، عبادة الله وحده لا شريك له، بل جاءت صريحة في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦].

يا أيها الشاب! يا أخي الحبيب! إن من واجبنا أن نتفكر ملياً، إياك أن تشغلك نغمة أغنية، أو صورة خليعة، أو رواية ماجنة، أو مسلسل يغويك عن غايتك التي خلقت من أجلها، هل فكرت في معنى حياتك على هذه الأرض؟ من أين جئت؟ ما الذي جاء بك؟ ولماذا جيء بك؟ وأين يذهب بك بعد الموت؟ هل فكرت يوماً من الأيام أن تقف بجوار مقبرة من المقابر؟ هل وقفت يوماً من الأيام بجوار قبر من القبور وقلت: يا ليت شعري ماذا يدور في اللحد تحت هذا القبر؟ هل وقفت يوماً لتقول كما قال القائل:

أتيت القبور فناديتها فأين المعظم والمحتقر

وأين المذل بسلطانه وأين العزيز إذا ما افتخر

هل فكرت في هذه النهاية؟ إلى أين تسير أيها الأخ الحبيب؟ أسئلة لا بد أن تكون قد خطرت ببالك، ولا بد أن تخطر على بال كل عاقل، إذ إن الذي يركب سيارة ثم يستوقفه أحد في الطريق، فيقول له: إلى أين أنت ذاهب؟ فيقول: لا أدري، فهذا أحد المجانين، قد ركب دابة، وشق بها طريقاً وعبر بها سبيلاً، لكنه لا يعرف الغاية كما قال ذلك المجنون المعتوه الذي يدعى إيليا أبو ماضي، حيث قال:

جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت

وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت

كيف جئت كيف أبصرت طريقي

لست أدري ولماذا لست أدري لست أدري

قد سألت البحر يوماً: هل أنا يا بحر منك

أصحيح ما ذكروا عني وعنك

ضحكت أمواجه مني وقالت: لست أدري

وهذا الرجل لا يدري وسيظل لا يدري إذا لم تكن هناك دراية وهدى ودلالة من كتاب الله عز وجل، لأن الذي لا يعلم من القرآن شيئاً جاهل، والذي لا يعلم من السنة شيئاً جاهل، والذي لا يعلم من الشرع شيئاً جاهل، حتى وإن بلغت المراكب أعلاها وإن بلغت به المنازل أسناها.

أيها الأحبة: يقول أحد الأعراب -وهو جبير بن مطعم -: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فإذ به يقرأ قول الله عز وجل: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} [الطور:٣٥ - ٣٦].

فكاد قلبي أن يطير) من شدة تأثره بهذه الآية التي تسائل أقواماً أنكروا وجحدوا وتقول لهم: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} هل العدم خلقهم؟ {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} أم هم خلقوا أنفسهم؟ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} هل استطاعوا أن يخلقوا ما حولهم؟ {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} [الطور:٣٥ - ٣٦].

إن هذه من الآيات التي تجعل المسلم إذا قرأها يتوقف ويسأل ويتدبر ويقرر بكل اعتقاد ويقين أنه خلق من خلق الله عز وجل، وأنه مع من في الأرض جميعاً، من البشر وجميع البهائم والدواب والحيتان والجبال والأشجار والمياه والمحيطات والكائنات والموجودات في ميزان الله أمر صغير حقير {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:٦٧].

لو قيل لك: إن رجلاً قوياً من الأقوياء يصرع عشرة من الرجال بضربة واحدة، لقلت: هذا شجاع! ولو قيل لك: إن رجلاً يصرع عشرين أو أكثر، لقلت: هذا بطل من أبطال الزمان، لكن ولله المثل الأعلى: إن الله عز وجل قوي جبار مكين، والخلق أرواحهم بيده، ولا أحد منهم يغالبه، وسلطان الله نافذ فيهم، وحكمه ماضٍ فيهم، ومشيئته فيهم نافذة، وليس في واحد أو عشرة أو مائة بل كل هؤلاء العباد نواصيهم بيده وقلوبهم بين أصبعين من أصابعه عز وجل، والأرض كلها بمن عليها قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون.

أيها الضال! أيها الغافل! أيها المعاند! أيها المكابر! عد إلى الله، فإنك لست بشيء في ملكوت الله عز وجل، إن الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وهو الذي يملك السمع والأبصار، وهو الذي يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، وهو الذي يدبر الأمر، هو خالقك الذي أمرك بالصلاة وأمرك بالاستقامة وبالتوبة وبالإنابة وأمرك بالهداية، وهو الذي نهاك عن الضلالة ونهاك عن المعصية، ونهاك عن الانحراف وعن الزيغ والبعد عن طاعته عز وجل.

هذا الرب العظيم لماذا خلقك؟ خلقك لعبادته، خلقك لتعمر هذا الكون بعبادته، فأياً كانت وظيفتك، وأياً كان مصيرك، وأياً كان وضعك، فلا بد أن تعرف قدر كل شيء، وأن أول وظيفة وأول قضية وأول حقيقة هي أنك وجدت لتعبد الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات:٥٦ - ٥٧].

جاء بك لعبادته فهل ستظل حياً؟ لا.

بل لا بد لك من نهاية {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء:٣٥]، {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء:٧٨]، {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الزمر:٤٢]، {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:٣٤]، {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء:٣٤] الله يخاطب نبيه، ويقول: إنه لن تسلم نفس من الموت حتى أنت يا محمد، حتى أنفس الأنبياء وهم أفضل الخلق وأكرمهم على الله، {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:٣٤]، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:١٤٤] إذاً فلتعلموا أيها الشباب وليعلم الجميع أن هذه الحياة لا بد لها من نهاية، كنا جميعاً -يا معاشر السامعين- كنا صغاراً في المهد نرضع من ثدي الأمهات، والآن قد خطت بنا السيول خطاها، ومضت بنا نحو آجالنا.

والليل فاعلم والنهار كلاهما أرواحنا فيها تعد وتحسب

نعم.

لقد ولدنا ووجدنا وبدأنا الحياة ونشق الطريق إلى النهاية {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:٤٢] هذه نهاية المطاف وآخر الأجوبة على الأسئلة، ففي هذا اليوم العظيم يوم ينتهي الأمر بنا إلى رب العالمين، يوم القيامة يتميز الناس إلى فريقين في حياة أبدية لا تنتهي، {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:٧] فمن آمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واتبع رسول الله، فأولئك هم السعداء أهل الجنة، فأولئك لهم رزق معلوم، {فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات:٤٢ - ٤٩].

وأما الفريق الآخر الذي أعرض عن ذكر الله وأشرك به وكفر برسله، أو عصى ربه وأصر على المعصية وارتكب ما حرم الله ومات على الكبائر من دون توبة وأصر على كل أمر، فأولئك هم الأشقياء أهل النار: {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج:١٩ - ٢١].

أولئك الأشقياء: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:٣٦ - ٣٧].

هذه حال الفريقين في النهاية: فريق في الجنة وفريق في السعير،

الدار جنة عدن إن عملت بها يرضي الإله وإن فرطت فالنار

هما مصيران ما للمرء غيرهما فانظر لنفسك ماذا أنت تختار

أيها الأخ الحبيب! يا من تسير على طريق الدنيا ولا تعلم هل أنت سائر إلى مرضاة الله أم إلى سخطه؟! هل أنت سائر إلى الجنة أم إلى النار؟! هل أنت متبع لنبيك أم متبع لأعداء نبيك الذين حذرك نبيك منهم؟ قال صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قال الصحابة: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: إذاً فمن، أو فمن القوم؟) محذراً من أن يتبع المسلمون حال المشركين، وإنك حينما تتأمل أبناء المسلمين، أبناء الموحدين، والمصلين، والصائمين، والقائمين، تجد كثيراً من أبنائهم يقلدون الغربيين في مشيتهم، وفي لبسهم، وفي تصرفاتهم، وفي أخلاقهم وتعاملهم، وفي معاملاتهم، وإني أقول وأكرر وأردد: إننا بحاجة أن نذكر أبناءنا وأن ندرسهم كراهية الكفار وأن نحذرهم من