للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تبرؤ الأخ من أخيه والشيطان من أتباعه يوم القيامة]

أخي الحبيب! حاسب نفسك لماذا تصحب من لا ينفعك في الآخرة؟ إنك تعجب من شباب تكلمهم، تقول لهم: يا أخي الكريم! تعال إلى روضة من رياض الجنة، تعال إلى حلقة ذكر، تعال إلى رفقة صالحة، تعال إلى سماع نافع، تعال إلى قراءة نافعة فيقول: لا، أنا مشغول، مشغول بماذا؟ مشغول بمعصية، مشغول بمن لا يصلي، مشغول بمن يسوء، مشغول بمن يتبرأ عنه، كما يحصل لهم يوم القيامة: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فصلت:٢٩].

ما أكثر الشباب الذين سيتبرأ بعضهم من بعض، ما أكثر الذين سيسب بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً، إذا كنت أنا وأنت كلٌ منا يتبرأ يوم القيامة من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه وأخيه فما بالك بأصدقاء السوء؟ أتراهم يوم القيامة يقول أحدهم: لا.

لن أدخل حتى يدخل صديقي قبلي، أو تراه سيقول: لا.

أتحمل عن صديقي شيئاً من العذاب؟! لا.

{وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:٤٩] ولن يتحمل بعضهم من بعضهم شيئاً، بل إن الشيطان ينصب له منبراً وعرشاً ومكاناً ثم يقف بين أهل النار يقول لهم: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم:٢٢] الشيطان يبدأ يسخر ويستهزئ بالذين أطاعوه، يقول: والله ما كان معي عصا أضربكم بها، وما كان معي قيود أجركم بها، وما كان عندي شرطة أسوقكم بها، وما كان عندي من أمر ((إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي)) [إبراهيم:٢٢] مجموعة أناس دعاهم الشيطان فاستجابوا له، هذا حوارهم وهذا حالهم، {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت:٢٤] بل وكما قال عز وجل عما يقوله الشيطان لهم: ((مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ)) [إبراهيم:٢٢] أي: الصريخ المنقذ {فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم:٢٢] هذا حال الذين يصرون على المعصية، وإذا دعوت أحدهم قال: إني راضٍ بأصحابي، راضٍ بالذين لا يصلون، راضٍ بالذين يسهرون إلى آخر الليل وينامون عن الفجر، راضٍ بالذين يعقون آباءهم وأمهاتهم ويقطعون أرحامهم، راضٍ بالذين يتناولون المسكرات والمخدرات ويجلسون على المحرمات، راضٍ بالذين يملئون ساعاتهم بكل ما يغضب الله ويسخطه ويخالف أمره وأمر نبيه، للأسف هذا حال كثير منهم! بل بعضهم يقول: أنا أحب هؤلاء، وأحب أصدقائي هؤلاء أكثر من حبي لك أنت ومطاوعتك وعلماءك هؤلاء الذين أزعجتني بهم، نعم: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات:٢٢] يوم القيامة ستحشر أنت مع من أحببت، أحببت الفنانين؟ أبشر ستحشر معهم، أحببت أهل الربا وأسهم البنوك الربوية؟ أبشر ستحشر معهم، أحببت أهل المعاصي؟ أبشر ستحشر معهم، أحببت أهل الزنا والخنا؟ ستحشر معهم، أحببت العلماء؟ ستحشر معهم، أحببت الصالحين؟ ستحشر معهم، أحببت الذين يريدون وجه الله والدار الآخرة؟ ستحشر معهم، وكما قال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (المرء يحب القوم ولما يلحق بهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب يوم القيامة) وقال آخر: (يا رسول الله! متى الساعة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: وماذا أعددت لها؟ فقال: والله ما أعددت لها كثير عمل إلا أني أحب الله ورسوله، فقال: أنت مع من أحببت يوم القيامة، أو المرء مع من أحب يوم القيامة).

إن مجرد محبة الصالحين طريق إلى أن يسير المرء في ركابهم، وأن يسلك مسلكهم، وأن ينتهج نهجهم وأن يتقفى أثرهم وأن يهتدي بهديهم، وإن مجرد حب أهل الباطل بوابة ووسيلة وسبيل إلى أن يكون الشخص منهم.

تذكر أخي الشاب أن جلساء السوء لا يأمرون إلا بالمنكر ولا ينهون إلا عن المعروف، إنهم لا يرضون بالفضيلة، ويمقتون الاستقامة، وإن مخالطة أهل السوء وأهل المنكرات الغافلون عن الصلوات والجماعات أقل ثمارها ضعف الإيمان، وأخطر نتائجها خروج المسلم وردته عن دينه، وإن كثيراً من الشباب ربما ارتدوا وكفروا وخرجوا من الإسلام وهم لا يشعرون، هل سمعتم أن شباباً بلغ بهم الهزأ والاستهتار أن بعضهم يرسل نغمات موسيقية على آيات قرآنية، وبعضهم لو قلت له: أنت كافر بهذا العمل، قال: أعوذ بالله، أنا كافر!! أنا كافر!! أنا فلان بن فلان الفلاني مولود في قلب الجزيرة العربية، أنا مسلم، وقد نسي أن جلساء السوء قد قادوه بالسهرة واللهو والغفلة والاستهزاء والسخرية حتى بات يسخر بكلام الله وآياته ورسوله: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٥ - ٦٦].

إن كثيراً من الشباب لا يعلم مدى خطورة الإعراض عن الاستقامة، ومدى خطورة المضي في معاشرة أولئك الذين هجروا المساجد والصلاة مع الجماعة، وهجروا طاعة رب الأرضين والسماوات، وبعضهم قد تعلق بدعوى الصداقة، أصدقائي أحبابي صداقة العمر، أخلاء العمر، الشخص منهم لو أردت منه روحه قدمها، يا مسكين! يوم القيامة لو أردت من أمك حسنة والله لن تعطيك منها شيئاً، فما بالك بشخص سيأتي يوم القيامة ليطلع أحدهم على الآخر فيقول له: {فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف:٣٨]، والآخر ينازع أو يجادل صاحبه ليتبرأ منه: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:١٦٦ - ١٦٧] كل صداقة على غير طاعة الله تنقلب عداوة يوم القيامة: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٦٧].

أيها الشاب! عد إلى الله، ودع قرناء السوء، ودع عنك الصور الخليعة، والأغاني الخليعة، وعد إلى مرضاة الله، ولا تكابر في دعوة التوبة والاستقامة، لا تقل: أنا رجل وسط، أسمع قليلاً من الأغاني وأسمع قليلاً من الملاهي، وأفعل شيئاً من المحرمات، إن السيئة تقول: أختي أختي، والسيئات بريد الإدمان على المعاصي، والإدمان على المعاصي بريد إلى سوء الخاتمة، ولكن عالج نفسك وعد إلى الله فقد أمضيت في شبابك ولهوك سنين، ولا تدري ما الذي بقي من عمرك، أليس من نعم الله عليك أن الله لم يتوفك وأنت في لهو؟! أليس من نعم الله عليك أن الله لم يقبض روحك وأنت على معصية؟! أليس من نعم الله عليك أن الله ما قبض أنفاسك وأنت على فاحشة تقارفها؟! إذاً عد إلى الله سبحانه وتعالى، وابحث عن قوم {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:٢٨].