للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نعمة الأمن وأثرها على الناس]

الحمد لله منشئ السحاب، منزل الكتاب، وهازم الأحزاب، وخالق خلقه من تراب، الحمد لله حمداً طيباً مباركاً كما ينبغي لجلال وجه الله وعظيم سلطانه، الحمد لله الذي كشف الغمة عن المسلمين، الحمد لله الذي تتابعت نعمه على عباده المؤمنين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا معبود بحقٍ سواه، نحمده سبحانه على نعمه التي لا تحصى، وعلى آلائه التي لا تنسى، بالأمس كنا خائفين واليوم نصبح مطمئنين من الذي جعل هذه الحالة في القلوب يا عباد الله؟ أليس ربكم جل وعلا؟ اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد وحدك لا شريك، اللهم لك الثناء الحسن، اللهم لك الشكر وحدك لا شريك لك.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فلا نجاة والله إلا بها، ولا طمأنينة إلا بها، ولا عز ولا تمكين إلا بها، اتقوا الله تعالى حق التقوى، ولا تموتن إلا عليها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

عباد الله: انظروا حالكم بين الأمس واليوم، كثيرٌ من الناس سافر عن أرضه، وترك بيته وودع مهبط رأسه، وذهب يميناً أو يساراً، قريباً أو بعيداً، خوفاً على نفسه، لقد انتهت تعلقاته وارتباطاته بثروته وماله وبيته وداره، وأصبح لا يفكر إلا بنفسه ترك بيته، ترك قصره، ترك ذلك المكان الذي مكث مدة طويلة وهو يشاور الأصحاب، ويستشير الأحباب، من أجل تحديد موقعه، على ربوة أم هضبة، على جهة أم جهتين ما واجهاته، ما أنواع الرفاهية فيه، تركها لكي يعيش في شقة ضيقة؛ لأن نعمة الأمن في نفسه تزعزعت قليلاً، والآن بحمد الله جل وعلا عاد الذاهبون آيبين، ورجعوا إلى بيوتهم مطمئنين.

من الذي قذف الطمأنينة في القلوب؟ أليس الله جل وعلا؟ اللهم لك الحمد على كل حال.

والله لقد مرت بالناس أيام وليالي ما كان الناس يفكرون إلا بأنفسهم، وإذا سمعوا صيحة صاحت قلوبهم واختلفت أفئدتهم النوافذ مغلقة، والأبواب محكمة، والأعناق مشرئبة، والأفئدة تنظر، والأعين تبصر، هل يزول الخطر أم لا؟ {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان:٧٧] نسأل الله جل وعلا أن يكون كشف هذه الغمة سبباً في مزيدٍ من الذلة بين يديه، والانكسار إليه والحاجة إليه، والخشوع له، والتضرع بين يديه سبحانه وتعالى.