للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المبادرة قبل حلول الأجل]

إذاً أيها الأحبة! لا يدري الواحد ما الذي يحول بينه وبين العمل، وإنما ضيع كثيرٌ من الناس أنه أكثر من التسويف وأكثر من التعليل، تقول له: تب إلى الله، استقم على طاعة الله، أقلع عن الذنوب والمعاصي وهو قويٌ غني صحيحٌ شحيح يرجو الغنى ويخشى الفقر، ما هو جوابه إذا دعي إلى الله ورسوله؟ يقول: إن شاء الله غداً! بعد أسبوع! بعد الحج! رمضان قريب! بعد نهاية رمضان! إذا فرغت الصوامع! إذا قضيت الدين! إذا فعلت كذا، إذا فعلت كذا!! ويعلق توبته على أمورٍ هو لا يعلم هل يبلغها أم لا.

لو أنك تقدمت في معاملةٍ تريد حقاً من حقوقك أو مصلحة من مصالحك، فقال لك المسئول: ننجزك ما تحتاج أو نخدمك بما تريد إذا حصل كذا، وعلقك على أمرٍ لا تدري متى يحل، فأنت لا تقبل بهذا الأجل، تقول: حدد لي أجلاً معيناً، فإني لا أريد أن أضيع وأن أسوف، ما أدري هل هذا الأمر يقع أو لا يقع، وما أدري هل أنا أبلغ هذا الأجل أم لا أبلغه، فكذلك قل لنفسك إذا دعيت إلى التوبة والمبادرة والإنابة إلى الله عز وجل، قل لها: هل تستطيعين أن تبلغي ذلك الأجل؟ هل تستطيعين أن تبلغي تلك الغاية التي جعلتيها أو علقت بها هذه التوبة وهذه الإنابة:

مضى أمسك الماضي شهيداً معجلا وأعقبه يومٌ عليك جديد

فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة فثن بإحسان وأنت حميد

فيومك إن أعتبته عاد نفعه عليك وماضي الأمس ليس يعود

ولا ترجِ فعل الخير يوماً إلى غدٍ لعل غداً يأتي وأنت فقيد

يقول لي أحد الذين أعرفهم: كنت ممسكاً بيد والدي وقد خرجنا -في مدينة الرياض - من المسجد في شهر شعبان قبل سنتين أو ثلاث، يقول: ونحن في نهاية الشهر على قرب حلول رمضان يقول: فكان أبي وهو ممسكٌ بيدي يقول: يا ولدي! كم من نفسٍ لا تصوم هذا الشهر، وكم من نفسٍ لا تكمل صيام هذا الشهر، يقول: فكان أبي هو ذاك الذي ما صام من الشهر إلا أياماً فمات، رحمه الله رحمةً واسعة.

وهذا جليٌّ وواضح وليس بالغريب، وليست بقصة معجزة، بل ما أكثر الذين يتحدثون عن المنايا والآجال وهي تنتظرهم، لعل المتحدث أول من يموت، ولعل السامع أول من يموت، ولعل الصغير أول من يموت، ولعل الكبير أول من يموت، وتقول العوام: كم ناجحٍ شربت في جلد حوارها، يعني: ناقة عسراء أنتجت ثم إن نتاجها الحوار الذي خرج مات ثم بعد ذلك جعلوا من جلده سقاءاً فشربت الأم في جلد نتاجها ووليدها:

تزود من الدنيا فإنك لا تدري إذا جن ليلٌ هل تعيش إلى الفجر

فكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ وكم من سقيمٍ عاش حيناً من الدهر

وكم من صغارٍ يرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر

وكم من عروسٍ زينوها لزوجها وقد نسجت أكفانها وهي لا تدري