للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نعمة التوبة والمبادرة إليها]

عمر بن الخطاب بلغه عن أحد عماله أنه شرب الخمر، فأرسل له رسالة من عبد الله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى فلان، يقول الله عز وجل: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:٨٢] الله أكبر! ما أجمل هذه الحكمة العظيمة من عمر بن الخطاب! يرسل رسالة إلى هذا الذي يعلم أنه مخطئ ثم يقول له مذكراً بهذه الآية: عد وتب إلى الله عز وجل.

ما أجمل هذا النداء! ولماذا لا نكون كذلك، والله عز وجل العظيم القوي العزيز الجبار يتحبب إلينا معاشر العباد ويقول لنا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:٥٣] أياً كان هذا الذنب، بعض الناس يقول: هذه آيات لمن عنده معاصٍ خفيفة، لكن أنا عندي مخدرات، أنا مهرب ومروج، أنا أتعاطى المخدرات وأشرب خمر، أنا عندي مشكلة خلقية، مشكلة زنا، مشكلة لواط، فكيف يتوب الله عليَّ؟ الله عز وجل قال في آخر سورة الفرقان قال: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:٦٨ - ٧٠] من الذي يحول بين الشباب وبين التوبة؟ من الذي يحول بين الناس وبين التوبة؟ من الذي يرد الناس عن التوبة؟ بل إن الذي يقول: إن التوبة أصبحت بعيدة المنال هو الذي يقتل نفسه بهذا الجواب، ولا أدل على ذلك من ذلك العابد الجاهل الذي جاءه رجلٌ وقد قتل تسعاً وتسعين نفساً، فجاء إلى ذلك العابد فقال له: إني قد قتلت تسعاً وتسعين نفساً، فهل لي من توبة؟ فكان الجواب الجاهل المبني على غير علم، قال: ليس لك توبة، فجنى الجواب على المجيب فطعنه القاتل فأكمل به المائة، فذهب الجاني إلى عالم وقال: قتلت مائة نفسٍ، فهل لي من توبة؟ قال: نعم، ومن ذا الذي يحول بينك وبينها، الحق بأرض بني فلان فإن فيها قوماً يعبدون الله عز وجل، وفي هذا فوائد: الأول: أنه مهما عظم الذنب فإن الرحمة قريبة: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:٥٦].

الأمر الثاني: أن من أذنب وأراد التوبة الصادقة النصوح الخالصة الصحيحة، فعليه أن يغادر مكان المعصية ووسط المعصية ومناخ المعصية؛ لينتقل إلى مناخ وجو ومكان وطبيعة الطاعةِ والعبادة والذكر والإنابة والإخبات والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.

أما بعض الناس يشكو من الجراثيم والفيروسات ثم يعالج ويعالج ويحقن بالكيماوي وبالأدوية وبغير ذلك، ثم يرجع من جديد في وسطٍ متجرثمٍ مملوءٍ بالبكتيريا والفيروسات والجراثيم ثم يقول: كيف رجعت إليَّ هذه الأمراض من جديد؟ يداك أوكتا وفوك نفخ، أنت الذي اخترت أن تعيش في وسط المعصية مرة ثانية، ولو أنك صادق في توبتك لخرجت من وسط المعصية إلى وسط أهل الطاعة، وانتقلت عن جلساء السوء إلى جلساء الخير، وتركت عاداتٍ قبيحة إلى عباداتٍ جليلة نافعة بإذن الله وحينئذٍ تترقى في دين الله، وتجد لذة لا تقف.