للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضرورة التفكر في حقارة الدنيا وعظمة الآخرة]

قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم في كتاب وصف الجنة: (مثل هذه الدنيا كمثل ما يضع أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بمَ يرجع) القطرة التي تسقط من أنملتك هي الدنيا، واليم المحيط والبحار هي الآخرة، فمن الذي يبيع المحيط بقطرة؟ من الذي يبيع الدنيا بشبر؟ من الذي يبيع المليار بهللة؟ من الذي يبيع الكمال والبقاء بالزوال والفناء؟ سبحان الله العظيم! إن لم نبادر أيها الأحبة فنحن على خطرٍ عظيم، وواجبنا أن نتهيأ وأن نستعد فيما بقي، فما فات لن يعود أبداً.

ما مضى فات والمؤمل غيبٌ ولك الساعة التي أنت فيها

كان يزيد الرقاشي يقول لنفسه: ويحك يا يزيد! من الذي يصلي عنك بعد الموت؟ من الذي يصوم عنك بعد الموت؟ ثم يقول: أيها الناس! ألا تبكون ألا تنوحون على أنفسكم باقي حياتكم، يا من الموت موعده، والقبر بيته، والثرى فراشه، والدود أنيسه، ومع هذا ينتظر الفزع الأكبر؛ كيف يكون حاله؟! إذاً أيها الأحبة! فلنبادر بالعمل الصالح، وخير المبادرة ما كان في طاعة الله، اتق المحارم تكن أعبد الناس، ترك المعاصي وفعل الواجبات في الدرجة الأولى، والله لو أن الواحد إذا سمع الأذان حي على الصلاة حي على الفلاح رمى الشغل الذي في يده وذهب إلى المسجد، لا نريد مزيداً من الصيام، ومزيداً من التهجد، ومزيداً من أعمال كثيرة، جرب نفسك مع هذه العبادة التي هي أول ما ينظر في عمل العبد يوم القيامة، انظر نفسك مع الصلاة، والله لو عود الواحد نفسه ألا يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح إلا وهو في المسجد، أو يبادر، والله ليجدن لذة يقول: هل من مزيد، هات صياماً، هات صدقة، هات دعوة، هات جهاداً، هات كفالة أيتام، هات كفالة دعاة، يريد أن يفعل كل خيرٍ يقربه إلى مزيد قربى من الله سبحانه وتعالى.

أيها الأحبة! الحديث كثير، ولكن نريد أن يكون العمل كثيراً أيضاً، يقول الله عز وجل في شأن من طبق ما علم، ونفذ ما سمع، وانتصح واتعظ بما وعظ، أي: ليست مجرد معلومات وثقافة واستعراض مهارات، لا والله يا أحباب، علينا أن نعلم أن الكلام الذي نقوله ونسمعه حجة علينا يوم القيامة، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [النساء:٦٦ - ٦٨] أربع فوائد عظيمة لمن يبادر ويطبق هذه المعلومات، ويحول العاطفة والالتزام إلى برنامج عمل.

أسأل الله أن يتوفانا على طاعته ومرضاته، اللهم يا حي يا قيوم! نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى، واسمك الأعظم الذي إذا سئلت به أعطيت، وإذا دعيت به أجبت، أن تجعل لي وللحاضرين من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا تائباً إلا قبلته بمنك وكرمك يا رب العالمين، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجمع اللهم شملنا وحكامنا وعلماءنا، ولا تشمت بنا حاسداً ولا تفرح علينا عدواً، إنك ولي ذلك والقادر عليه.

آمين يا رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.