للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سوء معاملة الأبناء لآبائهم]

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى فهي وصية الله لكم في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

معاشر المؤمنين: لا شك أن حق الوالدين عظيم بما عظّم الله، وقرن طاعتهما بطاعته، وثنى بالشكر لهما بعد الشكر له، وحسبكم أن عصيانهما من الكبائر التي تؤدي بصاحبها إلى النار والهلاك إن لم يتب من العقوق والقطيعة، ولقد مر بنا ما وقع فيه كثير من الناس وبالأخص بعض الشباب الذين قدموا طاعة الزوجات على الأمهات، وجعلوا حوائج الوالدين بعد الفراغ من حاجاتهم وحاجات أصدقائهم، فترى الرجل له الولدان والثلاثة يقف على قارعة الطريق صباحاً أو مساء في انتظار لمحتسب يوصله إلى قصده وأولاده على فرشهم، لم يشاءوا أن يقطعوا لذيذ النوم من أجل والدهم، وكثيراً ما نرى المرأة تلتمس من جيرانها وممن حولها مساعدتها في الوصول إلى منزل قريب أو لمناسبة معينة، وأولادها في المنزل يتحاسبون كلٌ يقول لأخيه: أنت تذهب بها.

فيا للحسرة والأسف على شاب بذل فيه والداه الجهد الجهيد، وفي نهاية الأمر لا ينفعهم في أدنى الحوائج، فاحذروا معاشر المسلمين عقوق الوالدين؛ فإن ذلك سبب للشقاء في الدنيا والخزي والعذاب في الآخرة، جاء في الحديث الذي يرويه النسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان بعطائه) (وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، والمترجلة) رواه الحاكم وصححه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أربع حق على الله ألا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها: مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم بغير حق، والعاق لوالديه) فإياكم والعقوق، والزموا البر والصلة، واعلموا أن الوالد أوسط أبواب الجنة، فحافظوا على ذلك الباب إن شئتم أو دعوه، وجاء في الحديث عن ابن عباس: (ما من مسلم له والدان مسلمان يصلح إليهما محتسباً إلا فتح الله له بابين من الجنة، وإن كان واحداً فواحد، وإن أغضب أحدهما لم يرض الله عنه حتى يرضى عنه، قيل: وإن ظلماه، قال: وإن ظلماه).