للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[زوال النعم بالمعاصي]

ومن دروس هذه المحنة: أن النعم لا تدوم من سره زمنٌ ساءته أزمان

يا نائم الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا

أي مصيبة حلت بأحبابنا وإخواننا في الكويت، ناموا آمنين، فأصبحوا مشردين، هذه الدنيا لا يعول عليها، ولا يُطمئن إليها، ولا يوثق بها، فاعتبروا يا أولي الأبصار! ليست أمة دون أمة تحرم على الغزو والاجتياح، أو البلاء والعقوبة والمصيبة، نسأل الله ألا يحل بنا ما حل بإخواننا، ونسأل الله جل وعلا أن يجبر كسرهم وأن يشفي مريضهم، وأن يرد أسيرهم، وأن يجبر كسيرهم اعتبروا بهذه الدنيا.

أما الذين يمشون ولا يزالون في ترف المراكب ولهو الدور وعبث الدنيا والغفلة عن عبادة الله، فليتقوا الله جل وعلا، وليتذكروا أن الذنوب لها شؤم، وأن شؤمها يحل عاجلاً وآجلاً، وليس كما يظن بعضهم:

إذا لم يغبر حائطٌ في وقوعه فليس لهم بعد الوقوع غبارُ

لا، الذنوب والمعاصي لها شؤمٌ يحل عاجلاً أو آجلاً، وإن الأمة إذا عصت الله على بصيرة واستمرأ الناس المعصية، ورأوا المعصية، وشاهدوا المعصية، وجالسوا المعصية، وخالطوا المنكر واستمرءوه؛ أوشك أن يعمهم الله بعذابٍ من عنده، وهانوا على الله لما فتحت المدائن بكى أبو ذر، فقيل له: ما يبكيك يا صاحب رسول الله؟ فأخذ يبكي ويقول: ما أهون الخلق على الله إن هم عصوه!

بالأمس كانوا ملوكاً في مناصبهم واليوم هم في بلاد الأرض عبدانُ

إن الأمة إذا عصت الله على بصيرة، فإن سنة الله لا تتغير فيها أبداً، ولنتذكر ما حل بالمسلمين في بغداد، ما حل بالمسلمين أيام التتار والمغول، وتلك الحوادث التي لا يمكن أن ينساها التاريخ، ماذا حل بالمسلمين؟ قال أهل التاريخ: لقد قتل من المسلمين ألف ألف مسلم على أيدي المغول والتتار، أي: مليون مسلم، وقيل: ثمانمائة ألف مسلم، كيف يقتلون وهم يصلون ويسجدون ويصومون مثلكم؟ ولكن لما انتشرت المعاصي وظهرت المعاصي وأصبح الناس يفاخرون بها، وإذا قام قائمٌ لله بحق، أو رجلٌ يدعو إلى الله على بصيرة، أو غيورٌ يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر؛ قيل: اخرج، أنت مطوع، معقد، مسكين، يتدخل في شئون الآخرين، متشدد، لا يعرف أساليب الدعوة، لا يعرف التغيير، وأخذوا يرمونهم بمختلف الأساليب، ولقد جاء إليَّ ذات يوم رجلٌ -أسأل الله لي وله الهداية- يشكو إليَّ شاباً، يقول: هذا لا يعرف الدعوة ولا يعرف أساليب الدعوة، وأصبح يحدثني حديثاً عن شاب في الإسلام وشاب في الدعوة وشاب في تغيير المنكر والأمر بالمعروف، فقلت له: أما تستحي أن تتجرأ بهذا الأسلوب على رجلٍ أنا أحسبه أتقى منك؟ أما تستحي أن تتكلم في أساليب الدعوة وأنت ليس فيك شيءٌ من سمات الدعوة إلا أقل القليل؟ فينبغي -أيها الأحبة- إن لم نكن جنوداً للحق أن نكون أنصاراً له، وإن لم نكن أنصاراً أن نكون مؤيدين بالدعاء له.

لا خيل عندك تهديها ولا مالُ فليسعف النطق إن لم تسعف الحالُ

(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).

إننا نعلم أن للمصائب ارتباطاً وثيقاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا الأمة لم تكن آمرة أو ناصرة أو مؤيدة أو داعية أو محبة؛ فإنها على خطرٍ عظيم، وكل واحدٍ منا ينبغي ألا يحرم نفسه واحدة من هذه المنازل، إما أن يكون داعياً آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، أو نصيراً أو مؤيداً أو على الأقل صامتاً، ألا يتناول الدين بلسانه، وألا يتناول أهل الدين بلسانه؛ لأن من أحب قوماً حشر معهم، فلا أقل من أن تحب الأبرار والأطهار والأخيار لتكون معهم يوم القيامة جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! المرء يحب القوم ولمَّا يلحق بهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت يوم القيامة).

فهذا درسٌ من الدروس ألا نثق بالدنيا، وألا نطمئن بها وإليها، وأن نعرف أن ترك المنكرات وخذلان أهل الأمر بالمعروف سببٌ من أسباب المصائب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.