للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الغاية من خلق الإنسان]

الحمد لله وحده لا شريك له، نحمده ونستهديه، ونثني عليه الخير كله، نشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك كل من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل، والند والنظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، لم يعلم طريق خير إلا دل أمته عليه، ولم يعلم سبيل شر إلا وحذر أمته منه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله للأولين والآخرين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:١٣١] ويقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

معاشر المؤمنين: كل عاقل يعلم أن الله لم يخلقه عبثاً، ولن يتركه سدىً: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:١١٥] {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} [القيامة:٣٦].

معاشر المؤمنين: أتظنون أن الله سبحانه وتعالى خلقكم وركب فيكم الأسماع والأبصار، والأفئدة والجوارح والحواس، وأموراً خفيت عليكم ونعماً لا تحصوها عبثاً؟ أفترون أن هذا كله خُلق عبثاً؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

إذاً: لأي شيء خُلقنا؟ ولأي حكمة وجدنا؟ خلقنا لعبادته سبحانه، خلقنا لنفرده وحده سبحانه بالعبادة لا شريك له: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦].

ما خلقنا الله ليستكثر بنا من قلة، أو ليستغني بنا من فقر: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات:٥٧] ما خلقنا الله ليستظهر بنا من قلة علم، أو ليستقوي بنا من ضعف: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:٥٨].

معاشر المؤمنين: من أجل هذا خلقتم، ولأجل هذا وجدتم، فهل تصرفاتكم تبرهن ما خلقتم لأجله؟ وهل أعمالكم تثبت لأي شيء خلقتم، أم أن الكثير قد انصرف عما خلق لأجله، وانشغل بما تكفل الله له به؟ إن الخلق خلقوا لعبادة الله سبحانه وتعالى، تلك التي تنفعهم وتُوضع في موازينهم وتُرجح صحائفهم، وتكون بعد رحمة الله سبباً لدخولهم الجنة، إن كثيراً من العباد في غفلة عن هذا الأمر، وقد انشغلوا بأمر قد تكفل الله به، قد انشغلوا وتشاغلوا بأمور قسمها الله سبحانه وتعالى ألا وهي الأرزاق ومتاع الدنيا.

يا بن آدم! إن الله جل وعلا خلق دواباً صغيرة لا تبصرها ولا تراها، وجعل لها سمعاً وبصراً وأجهزةً هضمية وتناسلية، وجعل لها من وظائف الخلق والمعيشة ما الله به عليم، أفتظن أن الله ينساك ويتركك: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:٦].