للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعريف الانحراف وأنواعه]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: الحمد لله رب العالمين؛ حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، أحمده سبحانه على نعمه التي لا تحصى، وعلى آلائه التي لا تنسى، وأثني عليه الخير كله، وأشكره ولا أكفره، وأخلع وأترك من يكفره، نرجو رحمته ونخشى عذابه، إن عذابه الجد بالكفار ملحق، اللهم لك الحمد أطمعتنا وسقيتنا وكفيتنا وآويتنا وإلى الإسلام هديتنا، وإلى التوحيد وفقتنا، اللهم لك الحمد سترت عيوبنا ونشرت فضائلنا، وسترت قبائحنا، وجملتنا بسترك الجميل يا رب العالمين.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها النجاة يوم القيامة، فهو الرب وحده المالك المدبر المتصرف في هذا الكون ولا رب سواه، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، فهو الذي يعبد وحده لا شريك له، فالركوع والسجود له، والاستعانة والإنابة به وإليه، والتوكل عليه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واحد في أسمائه وصفاته وربوبيته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها الأحبة في الله! أسأل الله عز وجل أن يبيض وجوهنا وإياكم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وأن يحرم أقداماً على النار مشت إلى هذه الروضة من رياض الجنة، وأن يجعل اجتماعانا هذا مرحوماً، وتفرقنا من بعده معصوماً، وألا يجعل فينا ولا من بيننا شقياً ولا محروماً.

أيتها الوجوه المؤمنة! إن من نعم الله عز وجل أن نجتمع ونتآلف ونتعارف، وحيهلا ومرحباً بهذه الوجوه التي تجتمع في رياض الجنة من غير أنساب بينها، ولا مصالح تربطها، ولا مقاصد تريدها سوى وجه الله عز وجل، تجتمعون لتذكروا الله وحده لا شريك له، ولتصلوا على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأبشروا بأن الله وملائكته يذكرونكم في الملأ الأعلى، ففي الحديث أن الله عز وجل قال: (أنا عند ظن عبدي به، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه).

أيها الأحبة في الله! الحديث اليوم عن قضية جد مهمة، كما بين أخونا المقدم جزاه الله خيراً، ألا وهي قضية الانحراف، فما أسبابه وعلاجه؟ إن الأعين المبصرة إذا رأت الحق فمن الطبيعي أن تهتدي إليه وأن تستجيب له، وأن تنقاد له بطواعية، فيا سبحان الله! كيف تعمى بعض البصائر عن إبصار الحقائق؟ إن الآذان النقية عن شوائب الشبهات والشهوات لا تستنكف أن تستجيب لداعي الله وداعي رسوله، ولكن ما بالنا نرى آذاناً عن الحق صُمت، وأعيناً عن الحق عميت، وأفئدة عن الحق صرفت، أترون أن هذا لضعف في بيان الحق، أو لضباب في هذه المسيرة، أو لبعد صلة في حجب الحقائق عن هؤلاء الذين انحرفوا وضلوا وأضلوا عن سواء السبيل.

أيها الأحبة في الله! إن من الطبيعي أن الإنسان يحب نفسه، ويحب مصلحة نفسه، فما بالنا نرى كثيراً من الناس يقصدون إضرار أنفسهم، والوقيعة بأرواحهم وأجسامهم، وإغلال قلوبهم وأفئدتهم، هذا نوع من الانحراف، إن لم يكن هذا هو الانحراف كله.