للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العمل قبل الندم فالأيام مراحل]

أيها الأحبة! إن الفرصة ممكنة والأمور متاحة، قل: سبحان الله، قل: الحمد لله، قل: لا إله إلا الله، كتبت وسجلت، قل: الله أكبر، كتبت لك صرر من الكنوز بمجرد أن تنطق بتواطؤ قلب ولسان وتدبر عقل، فما قلت من كلمة إلا وقد أودعت في رصيدك، كأنما تقف في خزينة من خزائنك، فتقول: سبحان الله وترمي بمجموعة من الحسنات، الحمد الله، وترمي بعمل من الصالحات تجمعها في هذه الخزائن، كل دقيقة هي فرصة استثمارية عظيمة لتسبيح وتهليل وتكبير، فكم من عبد ضيع أياماً وضيع أعواماً، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

نهارك يا مغرورُ سهوٌ وغفلةٌ وليلك نومٌ والردى لك لازمُ

وسعيك فيما سوف تكره رغبةً كذلك في الدنيا تعيش البهائم

فيا عبد الله:

تزود للذي لا بد منه فإن الموت ميقات العبادِ

وتب مهما جنيت تب إلى الله مهما فعلت، عد إلى الله مهما ارتكبت، راجع نفسك مهما أخطأت.

وتب مهما جنيت وأنت حيٌ وكن متنبهاً قبل الرقادِ

ستندم إن رحلت بغير سعيٍ وتشقى إذ يناديك المنادي

أترضى أن تكون رفيق قومٍ لهم زادٌ وأنت بغير زادِ

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: [ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه؛ نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي].

وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه: [إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما].

وقال الحسن البصري: [أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد حرصاً منكم على دراهمكم ودنانيركم].

ويقول الجاحظ الأديب وهو من المعتزلة في أبيات ينشدها:

أترجو أن تكون وأنت شيخٌ كما قد كنت أيام الشبابِ

لقد كذبتك نفسك ليس ثوبٌ دريسٌ كالجديد من الثيابِ

نعم إن التسويف علتنا، إن التأجيل مصيبتنا، الواحد منا في شبابه يقول: إذا خط الشيب في عارضي فسأتوب، إذا اشتعل الرأس شيباً إذا جمعت كذا وما يدريك أنك تبلغ هذه الآجال حتى تتوب، وقد يخطفك الموت قبلها.

يا غافلاً عن العمل وغره طول الأمل

الموت يأتي بغتةً والقبر صندوق العمل

يقول الحسن البصري: [يا بن آدم! إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومٌ ذهب بعضك] وقال أيضاً: [يا بن آدم! إنما أنت بين مطيتين يوضعانك، يوضعك النهار إلى الليل، والليل إلى النهار حتى يُسلمانك إلى الآخرة، فما أخطر شأنك يا بن آدم].

تخيل أن مائة جندي قد وكلوا أن يستلموك وهم طابورٌ صفوفٌ وقوف على هذا، استلموك من هذا الباب، وكل واحد يسلمك من يده إلى عهدة الآخر، ومن الآخر إلى الثالث، ومن الثالث إلى الرابع، وهكذا الدنيا أسلمتك أول يوم ولدت فيه إلى ليلة أعقبتها، ثم أسلمتك الليلة إلى يوم، ثم اليوم إلى ليله، وما زالت الليالي جنودٌ يسلمونك، وخفيرٌ، وحارسٌ، هذا يودعك، وهذا يسلمك إلى من بعده حتى تقوم آخر ليلة لتسلمك إلى دار برزخية لتكون إما في روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار.

وما هذه الأيام إلا مراحلٌ يحث بها داعٍ إلى الموت قاصدُ

وأعجب شيءٍ لو تأملت أنها منازلُ تُطوى والمسافر قاعدُ

أيها الأحبة! إننا ركبنا مقصورة الحياة، والقطار يسير إلى الآخرة، فسواء وقفنا في القطار، أو جلسنا، أو أدرنا وجوه مقاعدنا إلى عكس اتجاه القطار، أو أدرنا مقاعدنا إلى الجهة التي يقود بها قائد القطار، فإن القطار ماضٍ، وسوف يصل هذا قطار الدنيا يسير بنا إلى الآخرة.

إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يومٍ مضى يدني من الأجل

فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً فإنما الربح والخسران في العملِ

جاء في وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه لـ عمر بن الخطاب حينما استخلفه من بعده، فقال له: [إنا لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل، وإن لله في الليل حقاً لا يقبله في النهار].