للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استعد بيومك لغدك]

أيها الأحبة! الواجب أن الإنسان يستعد لنفسه، يقول ابن عمر: [خذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك] أي: اغتنم الأعمال الصالحة في صحة قبل سقم، وفي حياة قبل موت، لعلك غداً من الأموات دون الأحياء.

كان صلى الله عليه وسلم يقول: (ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكبٍ قَالَ -من القيلولة- في ظل شجرة، ثم راح وتركها) نام وقت المقيل في ظل شجرة ثم راح وتركها.

وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: [إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكلٍ منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عملٌ ولا حساب، وغداً حسابٌ ولا عمل] وقال يحيى بن معاذ الرازي: [الدنيا خمر الشيطان، من سكر منها لم يُفق إلا في عسكر الموتى نادماً مع الخاسرين].

تخرب ما يبقى وتعمر ثانياً فلا ذاك موفورٌ، ولا ذاك عامرُ

وهل لك إن وافاك حتفك بغتةً ولم تدخر خيراً لدى الله عاذرُ

أترضى بأن تفنى الحياة وتنقضي ودينك منقوصٌ ومالك وافرُ

ماذا ينفعك أن تموت ووراءك مليار دينار، وليس أمامك إلا آلاف السيئات وآحاد الحسنات؟ والله ما يسرك لو خلفت أموال الدنيا وقد أقبلت بسيئات لا قبل لك بها، نسأل الله أن يتغمدنا برحمته.

قال المروذي: قلت لـ أبي عبد الله - يعني: أحمد -: أي شيء الزهد في الدنيا؟ قال: قِصر الأمل، من إذا أصبح قال: لا أمسي.

وقال بكر المزني: إذا أردت أن تنفعك صلاتك، فقل: لعلي لا أصلي غيرها.

أي: قد تكون هي الصلاة الأخيرة، وقد يفاجئني الموت بعدها، وفي الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً: [ما من ميتٍ يموت إلا ندم قالوا: وما ندامته؟ قال: إن كان محسناً ندم ألا يكون زاد، وإن كان مسيئاً ندم ألا يكون استعتب] أي: طلب العتبى وتاب ورجع إلى الله.

فإذا كان الأمر على هذا، فيتعين علينا جميعاً ذكوراً وإناثاً، شباباً وشيباً، صغاراً وكباراً أن نعود إلى الله، أن نرجع إلى الله، كفانا غفلة، بلغنا من العمر ثلاثين في غفلة، بلغنا أربعين في غفلة، بلغنا خمسين في غفلة، فمتى الرجوع؟ ومتى التوبة؟ ومتى العودة والإنابة؟ قال سعيد بن جبير: [كل يومٍ يعيشه المؤمن غنيمة].

وقال بكر المزني: ما من يومٍ أخرجه الله إلى الدنيا إلا يقول ذلك اليوم: يا بن آدم اغتنمني لعله لا يوم لك بعدي، ولا ليلة إلا تنادي: يا بن آدم اغتنمني لعله لا ليلة لك بعدي، قال البخاري رحمه الله:

اغتنم في الفراغ فضل ركوعٍ فعسى أن يكون موتك بغته

كم صحيحٍ رأيت من غير سقمٍ ذهبت نفسه الصحيحة فلته

ويقول القائل:

تزود من الدنيا فإنك لا تدري إذا جنَّ ليلٌ هل تعيش إلى الفجرِ

فكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ وكم من سقيمٍ عاش حيناً من الدهر