للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال المسلمين اليوم وحال الأعداء في الولاء والبراء]

إن من صدق الولاء لله أن نعين الدعاة إلى الله في كل مكان، والمجاهدين في سبيل الله بكل ما أوتينا من فضل من الأموال والأرزاق، والدعاء والثناء، والنصح والتواصي بالحق والصبر، إن المسلمين يواجهون حرباً من أعدائهم اليهود والنصارى وأذنابهم وأوليائهم، فأعداؤنا قد يختلفون فيما بينهم، ولكنهم يتفقون ويتحدون ويجتمعون على حربنا وإبادتنا: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة:١٠٥].

وكيف يليق بنا نحن المسلمين أن نتفرق أو نتشتت أو نتقاعس عن موالاة المؤمنين وعونهم، وأعداؤنا يوالي بعضهم بعضاً لأجل حربنا وإبادتنا، ولو أمعنا النظر في واقعنا وذهبنا نتعرف إلى موقعنا في مسألة الولاء والبراء، لوجدنا الكثير قد والى نفسه وشهواته وملذاته، فأين الولاء منا، ونحن نرى الأبرياء يشردون، والنساء يستبحن، والرجال يقتلون وَيُقَاتَلُوْن، ثم لا نهب لنجدة أو معونة؟! أين الولاء منا، وأين نحن من الولاء لله، إذا كان إخواننا في أفغانستان وغيرها يخوضون حرباً ضارية شعواء مع أعداء الله الملحدين واليهود الحاقدين؟! ثم إذا دعي الواحد منا إلى الصدقة أو المعونة، تراه يتكاثر دريهمات حقيرة يدفعها لهم، وإذا تكرر طلب المعونة منه سئم ومل من ذلك التكرار.

إن من صدق الولاء في هذه القضية خاصة وغيرها عامة، أن يجاهد المسلم بماله ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ولو أن كل واحد منا داوم بالدعم والمعونة والصدقة ولو بشيء قليل لكان ذلك كثيراً بالنسبة لمجموع المسلمين على تفرقهم في جميع أنحاء العالم.

أسأل الله جل وعلا أن يبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته، بارك الله ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو التواب الرحيم.

الحمد لله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها، وأنشأ السحاب، وهزم الأحزاب، وأنزل الكتاب، وخلق العباد من تراب، لا إله إلا هو رب الأرباب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، لم يعلم طريق خير إلا دل الأمة عليه، ولم يعلم سبيل شر إلا حذر الأمة منه، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضو بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.

عباد الله! يقول الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:٧٣] ولاء الكفار بعضهم لبعض واضح وجلي، مهما تعددت نحلهم، ومهما تنوعت مللهم، فهم يوالون بعضاً، خاصة إذا كان الخطب أمام المسلمين، وذلك أننا نرى أعداء الله عند حدوث أي عداوات، أو سوء علاقات بين بلادهم وغيرها، ترونهم يقاطعون إنتاج تلك البلدان، يقاطعون عمالتها، يقاطعون اقتصادها، ألسنا نحن المسلمين أولى بمعرفة الولاء والبراء في الدقيق والجليل في كل صغير وكبير؟! عجباً لأولئك الكفار في موالاتهم لبعضهم، يوم يرون عداوة من أمة من الأمم، أو دولة من الدول، يوم أن يرون عداوة منها لبلادهم، يقاطعونها وينابذونها في كل قليل وكثير.

إذاً يا عباد الله! فنحن أولى أن نقاطع الكفار، ونحن أولى أن نسد حاجتنا من كل صغير وكبير من بلاد الإسلام ما وجدنا إلى ذلك سبيلاً، أما إذا لم نجد إلى ذلك سبيلاً كأن يكون في أمور قد لا ينتجها إلا هم، أو في أمور لا توجد إلا عندهم، فالله المستعان والشكوى إلى الله في كل حال، فما حيلة المضطر إلا ركوبها، أما مادمنا نجد سبيلاً إلى سد الحاجة من الإنتاج، ونجد سبيلاً في سد حاجاتنا من العمالة والاقتصاد، وكل صغير وكبير، فالأولى أن نتجه بذلك إلى بلاد المسلمين، لكي نقوي بذلك شأن المسلمين، ونضعف بذلك شوكة الكافرين، نسأل الله جل وعلا أن يعيننا على ذلك.

وإن من الأمور المهمة التي ينبغي أن يشعلها الإنسان، وأن يوقد جذوتها في نفسه، فيما يتعلق بالولاء والبراء إذا سافر لبلدة أوروبية أو غيرها من تلك البلدان التي يعيش فيها المسلمون أقلية أو أغلبية مقهورة، ينبغي له أن يتحسس أحوال إخوانه المسلمين، وأن يبحث عنهم، وأن ينظر إلى أي مدى يعيشون من سعة العيش أو ضيقه، وينبغي له أن يمد شيئاً من المعونة والصدقة والنفقة لهم على حسب استطاعته.

إذ أنهم لا يجدون دعماً إلا بما يجتهدون به، وما يجمعونه من إخوانهم، فينبغي أن نشعل الولاء والبراء في أنفسنا، وأن نذكي جذوتها، وأن نشعل قناديلها حيثما اتجهنا وأينما كنا، ليعرف الإنسان أنه مرتبط بأخيه المسلم، وأن الإسلام دم يسيل في عروقه، ينبغي أن يبحث وأن يرتبط بمن هو مسلم في أي مكان، ولكي يكون على صلة قوية بإخوانه المسلمين في كل مكان وزمان.

أما أن يعيش كثير من المسلمين لا يوالون ولا يعادون في الله، ولا يلتفتون ولا ينتبهون لإخوانهم المسلمين، فهذا من الغفلة بموقع عظيم، والأسوأ والأمر من ذلك أن ترى الكثير منهم ينفق الملايين الطائلة، والآلاف المؤلفة، حينما يسافر إلى دول الغرب، ومع ذلك لا تجود نفسه بقليل أو كثير لمركز إسلامي، أو مسجد قد أسس، أو لجماعة تدعو إلى الله على بصيرة في تلك الغربة والوحشة.

ينبغي أن نذكي أمر الولاء والبراء في نفوسنا، وإنما هو أمر من أساسيات ومهمات العقيدة، نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا ممن يوالون أولياءه، ويعادون أعداءه.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً، وأراد بولاة أمورنا فتنة، وأراد بهم مكيدةً، فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، وأدر عليه دائرة السوء يا جبار السماوات الأرض! اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا، اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلى غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلى قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا حاجة إلا قضيتها، ولا أيماً إلا زوجته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره برحمتك يا أرحم الراحمين! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] اللهم صل وسلم وزد وبارك على صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء؛ الأئمة الحنفاء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.