للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإنسان يتأثر بقرنائه]

حينما أجلس مع بعض الشباب مثلاً: وهم ممن تجد عندهم عناية بالحمام والطيور، ويعرفون أنواع الحمام يقول لك: هذا كويتي، يمسك المنقار وينظر إليه، وينظر في عيونه، ويقلب الريش، ويقول: هذا كويتي ممتاز، أو يأخذ طيراً ثانياً ويرجعه ثانية (يهوز ويغلط) قال: هذا يغلط في الصندقة مرتين، وفي الخيط ثلاث، وإذا بقيت تحومه أبشر بواحد ينفعك بإذن الله، (والطبة والطبتين)، تأتي لك برزق هذا عندما يأتي يبيع الحمام.

وأنا أسألكم هذا الشاب الذي أصبح مثقفاً وفاهماً وواعياً في أمور الحمام، هذه أمور ربما بعض علماء الأحياء يحتاج زمناً حتى يدرسها، فهذا الشاب عرفها وفقهها، ويقول لك: لاحظ إذا أردت الحمامة أو الطير هذا ألا يطير من عندك، أنصحك أن تضع له في الماء سكراً، فلن يتعدى الصندقة أبداً بعد ذلك، لو تبيعه يرجع لك، وبذلك تجد الذين يبيعون الحمام تجاراً، عنده فقد أربع حمامات، يبيعها وترجع، ويبيعها وترجع، وهلم جراً.

الحاصل: هذا الشاب من أين أخذ هذه المعلومات عن الحمام؟ وهذا بلجيكي، وهذا بصراوي، وهذا تحومه بعسيب، وهذا يريد له علباً، وهلم جراً، من أين أتت واجتمعت هذه المعلومات لهذا الشاب؟ من أين جاءت؟ هل أمه ولدته في صندقة من أجل يصبح فقيهاً من فقهاء الحمام والطيور؟، لا.

فهو مولود في مستشفى الولادة، وكيف صار فقيهاً من فقهاء الحمام؟ جلس مع مجموعة شباب، وأصبح يراقب تصرفاتهم، وكيف يمسكون المنقار، وكيف يطالعون العين، كيف يفرون الريش، كيف يصفون الجناح وهلم جراً.

فالإنسان بالاختلاط والمخالطة والمجالسة يكسب معلومات من الآخرين، وهذا أمر طبيعي، تجد عالماً كفيفاً، هل يستطيع أن يكتب؟ لا.

هل يستطيع أن يقرأ؟ لا.

ومع ذلك تجده عالماً من كبار العلماء، من أين جاء العلم؟ بالجلوس والاستماع، فهذا الشاب جلس واستمع لمجموعة من الشباب الذين يعتبرون من فقهاء الحمام والأرانب والبط والدجاج، ولذلك تلقى عندهم معلومات جيدة.

وأنتقل بكم أيضاً إلى مجموعة من الشباب فأنت مثلاً تمسك يده وتمشي معه، ثم فترة يلتفت عنك وينظر، ويقول لك: (هذا سوبر مسحب واحد وتسعين ومشحم ومجنط) من أين جاءت هذه المعلومات؟ صحيح أي: هل أمه ولدته في ورشة؟ أو هو مولود في التشليح؟ لا.

إذاً كيف عرف أن هذا (مسحب) أو أن هذا (مرفع كعكات) أو أن هذا مقدم الصدامات قليلاً، أو أن هذا وضع كيسين من الرمل في الوراء، أو إذا كان واضع (ليورات قاعد يلعب) مثل: مرة كنت في السيارة أمشي وإذا شاب معه سيارة يرقص بها، كيف استطاع أن يفعل هذا؟ ومن أين عرفها؟ من خلال مجموعة شباب -أصدقاء وجلساء كان كل اهتمامهم السيارات، (والتشحيم والتجنيط) وهلم جراً، وتجد شاباً آخر من يوم أن يمسك الجريدة ويطالع فيها، في الصفحة العاشرة والحادية عشرة يقول لك: لا يهمك، هذا الحكم ما فيه خير، والدليل على ذلك أنه ما حسب لهم الفاول، وأكبر دليل على ذلك أن اللاعب تسلل، وتغاضى عنه كأنه ما رآه وهلم جراً، وتلقاه يعارض وبعد ذلك (هذا ما سنتر في الثمانية عشر) وما تعدى، ورقم خمسة اللاعب فلان، والظهير، والخانة الحرة، والظهير الأيمن، والدفاع والحارس، أي: معلومات رهيبة جداً، ومتى الدوري، ومتى الاعتزال، ومتى الحفل، ومتى دوري الأربعة ودوري الثمانية القبضة، ومباراة الكأس متى؟ وماذا تتوقع؟ وكيف كانت خطة الفريق؟ وهدءوا اللعب قليلاً؟! الله أكبر تجد هذا يعطيك تحليلاً للمباراة مثل ما يأتي شوار سكوف عندما يحلل معركة الخليج، تجد هذا الشاب يقف في درجة أولى يحلل لك اللعب، بدأ اللعب كذا، وانتهى كذا، هدئ في المنطقة الفلانية، قوي في المنطقة الفلانية، الفريق الفلاني مهدف بشدة من على هذه الجهة، وتجد عنده تحليلاً ومعلومات رهيبة جداً، وهذا هل أمه ولدته في الملعب؟! لا.

وإنما خالط شباباً كان جل اهتمامهم الرياضة، ومن ثم أصبحت معلوماته وثقافته رياضية وهلم جراً.

بعض الشباب -وظني وثقتي بالله ثم بكم أن ليس فيكم واحد منهم- بعض الشباب تلقاه مسكيناً عيناه صفراء، وحالته حالة، وإذا فتشت مخبأه لقيت حبوباً صفراء أو حمراء، يقول لك: (هذه سيكونال، هذه ملف شقراء، هذه تقظيم) وإنسان ما لقيت شيئاً ينصحك (شفط باتكس) إذا ما لقيت أحداً يبيعك، الشكوى على الله!!

إذا لم تكن إلا الأسنة مركبٌ فما حيلة المضطر إلا ركوبها

ما لقينا أحداً يروج اليوم، فما لنا إلا (باتكس) وهذا الشاب من أين عرف أنواع المخدرات، هل أخذ دورة في كلية الصيدلة؟ أو درس الطب والعلوم الطبية المساعدة؟! لا: لكن اختلط بمجموعة شباب يقولون له دائماً: ما رأيك أن تجرب هذه يا فلان؟ وما رأيك أن تضع معها الشاي؟ ما رأيك أن تضعها في الإبريق وهلم جراً، مثل مجموعة شباب من أصحاب المخدرات -نسأل الله لهم الهداية- زاروا واحداً، ويوم أن ذهب قاموا ووضعوا في الإبريق مخدرات، فجاء هذا المسكين وشرب من هذا الإبريق، وبعد ذلك قام يقول: فلانة! أعطيني الفاروع أعدل الدرج.

هذا الشاب -يا إخوان- من أين عرف الحبوب والكابتاجون والسيكونال والحبوب الحمراء والصفراء والبيضاء، والشم والحقن؟ من أين عرفها؟ هذا ليس عنده شهادة في الطب، ولا في الصيدلة، لكن عرفها من خلال جلساء سوء رويداً رويداً، بدءوا يعطونه السيجارة، ثم حبة، ثم مع الشاي، ثم حقنة، ثم أصبح مدمناً، ثم أصبح مروجاً وهلم جراً.

إذاً القاعدة الأولى التي نخرج بها أن الإنسان يحدد نفسه في الوسط الذي يعيش فيه، أي: اختر أنت، تريد أن تكون (عربجيا) اقعد مع شلة (عرابجة) تريد أن تكون عالماً، اقعد مع العلماء، تريد أن تكون راعي طيور ودجاج وحمام، اجلس في الزربة، أينما تريد ضع نفسك.

أي: اجلس في المكان الذي يحدد نوعيتك وشكلك، وهذا أمر واضح يا إخوان، والإنسان شديد التأثر والملاحظة.