للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من الجنون استعمال الجوارح في غير ما خلقت له]

الأمر الثاني: ولو خرجنا عن هذه النقطة بعيداً، أسألكم وأنتم تجيبون، حاول وأنت الحكم كما في عنوان المحاضرة: أتوا بواحد إلى اختبار عقلي يسألونه، قالوا له: لماذا خلق الله الآذان؟ فأخذ يفكر، قال: من أجل أن نعلق عليها النظارات، وهذا أمر عجيب، قالوا: الأسلاك الكهربائية لماذا تمد هكذا طولاً هوائياً؟ فأخذ يفكر، قال: نعم من أجل أن تجلس عليها العصافير في الصباح.

هذا مجنون؛ لأنه لا يعرف الحكمة التي من أجلها خُلق، أو وجد، أو صنع هذا الشيء، لو أتينا لإنسان وقلنا له: اشرب، قال: باسم الله، وصب الماء في عينه، ماذا تفعل؟ قال: أشرب، ما هذا الفم الجديد الذي ظهر لك فوق؟! فهذا أكيد أنه يكون من المجانين، وتجد آخر يريد أن يأكل شيئاً، وأخذ يحشو أنفه أكلاً، نقول: هذا والله أيضاً مجنون من المجانين، لماذا؟ لأنه يستعمل العين في غير ما خلقت له، العين للنظر، يستعملها للشرب، هذا مجنون يستخدم الحاسة في غير ما خلقت له، الأنف للشم يستخدمه للأكل! مجنون، أحد الناس أعطاه أوراقاً، أو أعطاه معاملة، قال: سأوصلها إلى المدير، باسم الله، ووضعها في فمه، هل يظن أن الفم أصبح جيباً؟! لا يمكن، أي: الذي يستخدم الشيء لغير ما خلق له، مجنون، هل توافقوني على هذا، أم لا؟! هذا البدن ابتداءً من الرأس وانتهاءً بالأقدام خلق لماذا؟ خلق لعبادة الله، فالذي يجعل بدنه لغير العبادة مجنون، أم لا؟ إذاً هو من المجانين، مع أن بعض المجانين تخرج منهم فلتات طيبة أحياناً، يذكرون أن رجلاً جاء مسرعاً بالسيارة، فسقط الإطار (والصواميل) تناثرت، فأخرج الإطار الاحتياطي يريد أن يركبه -على الأقل- حتى يوصله، لكن ما عنده (صواميل) فكلها قد وقعت وتكسرت، وكان هناك رجل واقف في مبنى مقاربٍ له ويطل عليه -المبنى هذا مستشفى المجانين- وهذا المجنون واقف ينظر إليه من أعلى، فقال المجنون لصاحب السيارة: لماذا تقف حائراً؟ قال: والله -يا أخي- وقع الإطار وانكسرت (الصواميل)، ولا أدري ماذا أفعل، قال: ألم تستطع أن تصلحه؟ قال: لا.

لأني لا أملك (صواميل) قال المجنون: يا أخي! خذ من كل إطار (صامولة) وركب الإطار، قال: والله إنك ممتاز، من أين أتيت بهذه المعلومات؟ قال: هذه دار مجانين، وليست دار أغبياء.

فالحاصل أن بعض المجانين قد تحصل منهم فلتات عقل، لكن المشكلة من شبابنا الذين الواحد منهم أي: إذا كنا أنا وأنت نحكم ونجزم بأن الذي يستخدم العين لغير ما خلقت له، ويستخدم الأنف لغير ما خلق له، مجنون، فما بالك بمن استخدم الجسم كله لغير ما خلق له، أنت -يا فلان- جسمك هذا ما عملك فيه؟ والله أبشرك اهتمامه (بريك دنس) وأنت ما هو اهتمامك؟ اهتمامه (السامري) وأنت ما هو اهتمامك؟ اهتمامه (روكي) أو (جاز) أو (بوني إم) أو (ديسكو) سبحان الله! أهذا الجسم خلق لعبادة الله، أم خلق للرقص واللهو والطرب والغفلة؟! من هنا -أيها الشباب- ينبغي أن نفهم جيداً أن الإنسان أول ما يحتاج إليه أن يعرف أنه خُلق لعبادة الله وحده لا شريك له، ولذلك الله جل وعلا قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] أين العبادة عند كثير من الشباب؟ في الأغاني؟ أين العبادة عند كثير من الشباب؟ في اللهو، والتدخين، وترك الصلاة، والعبث بالسيارات، والمعاكسة، و (نطل) الأرقام؟! رأيت من مدة كرت بطاقة شبه البطاقة الرسمية أو مثل كرت الزيارة، مكتوب عليه: يُرجى من النساء الجميلات مساعدة حامل هذه البطاقة، جمعية المعذبين قسم العشق، وخلف البطاقة -أي: من أجل أن أقول لك إلى أي درجة شبابنا أبدعوا في الانحدار، بعض الشباب أبدعوا في البعد عن طاعة الله، أبدعوا في الوقوع في معصية الله، تفننوا في ألوان اللهو والغفلة- وخلف البطاقة مكتوب: الاسم: محتار فيكِ، محل الالتقاء: لحظة التقاء عيني بعينيكِ، السكن -أظنه والله المقصفة- مكتوب: عالم أحلامنا الفسيح، الأمنية: الالتقاء بكِ، الله، الله، الله!! شبابنا إلى هذه الدرجة وقع بهم الأمر! شبابٌ آباؤهم وأجدادهم من العلماء الفاتحين من السلف الصالح من التابعين، من الصحابة، أهؤلاء يقعون في هذه المنزلقات؟!! يا إخوان! من هنا نبدأ حاول وأنت الحكم، وأقصد بذلك أول ما تجد في كثير من شبابنا إما أن تجد عنده انحرافاً، أو تجد عنده معصية، أو تجده متساهلاً بالمعاصي تدخين معاكسات مغازلة بنات لف ودوران في الأسواق اختلاس عبث مخدرات ملاهي أغاني، وأشياء كثيرة، من أين جاءه هذا الانحراف وجعله يستمر فيه؟ جاءه الشيطان، وقال له: انظر (يا أبو الليد) -على ما قالوا- قال له: أنت تأمل أن تكون إنساناً محترماً في المجتمع، لا تفكر بهذا الشيء، لكن ابحث لك عن قليل (عرابجة) وصادقهم، وأمل من الله خيراً.

بهذا الأسلوب الصريح يأتي الشيطان، ويقول للشباب: أنت تريد أن تكون مع الدعاة؟! أنت تريد أن تكون ملتزماً؟! يأتيك الشيطان ويتحداك، وإذا جاء الواحد يريد أن يصلي، جلس الشيطان على صدره، قال: اجلس ما أنت بكفء للمساجد، ابق في اللعب والرقص وغيرها، نعم: الشيطان يتحدى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ} [فاطر:٦] والعدو يتحدى: {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:٦].