للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العزة كل العزة بالاستمساك بهذا الدين]

يا أحبابي: خذوها قاعدة: تريد أن تكون عزيزاً، تريد أن تكون شخصاً يعرفك الجيران بمشيك إلى المسجد بتبكيرك إلى الجماعة بجلوسك في المسجد للذكر والاستغفار، يعرفك الجيران في الأمور الخيرة؛ فكن ملتزماً مستقيماً، هل المفخرة أن الجيران يعرفون أنك إذا جاء الصبح، غسلت الإطارات بشاي من أجل أن تصبح سوداء؟ وهل المفخرة أن تشحم الجوانب؟! أم المفخرة أن تدور وتفحط في الشوارع؟! هذه كلها ليست بمفخرة، المفخرة أن تكون صادقاً مع الله، المفخرة أن تكون مستقيم القدرة والرجولة، أن الهوى يقول: اجلس اشرب، تقول: لا.

افعل، لا.

الرجولة أن تخالف هواك، وأن تعصي نفسك.

والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطمِ

فخالف النفس والشيطان واعصهما وإنهما ما حضاك النصح فافتهمِ

ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً فأنت تعرف كيد الخصم والحكمِ

هذا الكلام -يا إخوان- خذوه، واسمعوه، وستذكرون ما أقول لكم، والله ستذكرون هذا الكلام، فالإنسان لا يدري متى ينتهي عمره، لكن أسأل الله أن يمد في عمري وعمركم، وتذكروا هذا الكلام بعد عشر سنوات، هل تريد أن تستمر من الآن إلى خمس سنوات قادمة، إلى عشر سنوات قادمة على ما أنت عليه؟ لا والله، تريد أن تستمر على لهوك وضلالك وانحرافك ودخانك وغفلتك، ولا أخص أحداً بعينه، لكن أخاطب من وقع في هذا، هل تريد أن تستمر على هذا؟ الناس يتطورون: الذي حفظ جزءاً، صار يحفظ أربعة، الذي عرف حديثاً، صار يحفظ عشرة، الذي قرأ كتاباً، صار ينتظم في حلقة علم، الذي كان يوماً عادياً، أصبح طالب علم، الإنسان الذي كان تافهاً وما له شغل، فتح له متجراً، أو ورشة، فتح له مخرطة وبعد ذلك اعتبروا -يا إخوان- بأحوال الدنيا للآخرة منكم من يعرف هذا جيداً.

في قسم الحدادة والحديد والتلحيم تعرفون شيئاً من ذلك، يوضع مع السيخ هذا الذي يقص الحديد قصاً، أسألك بالله هل جسمك يصبر على نار جهنم؟ لهب من النار مع مادة أخرى تضعه على الحديد، يقصه قصاً مثل ما تقص اللحم، هل جسمك يصبر على نار جهنم؟: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} [الفرقان:١٢] الله أكبر! {سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك:٧ - ٨] جهنم، يقال: إن الملائكة تمسكها تكاد تنقض على من كان عاصياً لله غافلاً عن طاعة الله سبحانه وتعالى.

هل لك صبر على هذا؟ شاب ذهب يدرس في بريطانيا في دورة لحام، وكان يرى الحديد يُوضع في المنطقة هذه قوالب وأسياخ ويخرج مع الجهة الثانية يسيل مثل الماء، فانتفض جسمه مرة، قال: هذا الحديد الصلب جداً يدخل هكذا في نار الدنيا التي هي جزء من مائة جزء من نار الآخرة، يدخل هكذا قطعاً، ويخرج يسيل مثل الماء، فكيف بجسمي هل يصبر على نار جهنم؟ هل سألت نفسك هل تصبر على نار جهنم يوم أنك تقول: لا أصبر على الدخان، أو لا أصبر عن المعصية، أو لا أصبر عن الفاحشة، أو لا أصبر عن الغفلة واللهو والطرب.

هل سألتك نفسك: من الذي يجعل قبرك في نور؟ والله -يا أحباب- لا ينفعك إلا عملك الصالح.

الآن مقبرة العوج رأيتم هذا البشت الجميل، وهذه البدلة الجميلة، الآن الواحد لو يأتي جرو -الله يعزكم- يريد أن يجلس على ثوبك، أو يجلس عندك أترضى؟ لا ترضى فهو نجاسة، لكن الآن إذا كان في مقبرة العوج، تخيل وأن تجلس على قبر أي واحد أكبر واحد في المقبرة وأصغر واحد في المقبرة الكلب يربض على قبره ويبول على قبره، أنت لابد أن تتخيل، درجة أولى سياحية خط عام فتختار الدرجة التي تريد أن تجلس فيها.

أقول هذا الكلام؛ لأن حياتك ليست بشيء، الحياة الحقيقية هي حياة الدوام والسعادة، حياة الآخرة، أما الدنيا فحتى لو قُدر لك فيها الحياة، ماذا بعد ذلك؟ فجأة وتكون في عداد الأموات سواء الآن أو بعد الآن، ثم ما الذي ينفعك؟: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} [عبس:٣٤].

يوم القيامة لا أحد ينفع أحداً، تقول عائشة: (يا رسول الله! الرجال والنساء عراة ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: يا عائشة! الأمر أعظم وأكبر من ذلك) {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:٣٤ - ٣٦].

تذكر أمك تأتيك يوم القيامة تقول: يا ولدي! حملتك تسعة أشهر كُرهاً ووضعتك كرهاً وأزلت الأذى بيدي عنك، -تنظفك وتقلبك، وتتلذذ وهي تضحك، تبعد عنك الوسخ منك في طفولتك وأمك تضحك ما تكره هذا الشيء ولا تتقزز- وجعلت ثديي لك سقاءً، وجوفي لك حواءً، يا ولدي! حسنة، الموازين تطيش والصحف تتطاير، يا ولدي! حسنة أثقل بها ميزاني، فتقول أنت: أمي إليك عني إليك عني، لا أحد ينقذ أحداً، الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (يا فاطمة بنت محمد! اسأليني من مالي ما شئت، لا أملك لكِ من الله شيئاً) يوم القيامة لا ينفع أحد أحداً: (اسأليني من مالي ما شئت، لا أملك لكِ من الله شيئاً) فأنت -يا أخي- تأتي أمك تقول: يا ولدي! حسنة، تقول: أنت يا أمي توكلي على الله.

وقال كل خليلٍ كنت آمله لا ألهينك إني عنك مشغول