للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اكفر بمبدأ من قال: لست أدري]

أيها الشاب: إذا كنت تسير إلى غاية، وتعرف هدفك في الحياة، فتقول: أنا لله وبالله، وإلى الله وعلى الله ولله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإن كنت ممن اتبع هواه، وركن إلى نفسه، وغره الغارون، ومدحه في معصيته المادحون، فهو ممن يسير في الدنيا ويجهل غايته، بل يجهل بدايته ونهايته.

لقد ضل ضال من الضلال، وقالها واحد من الحائرين، قال مسكيناً جاهلاً تافهاً في فكره وقوله، قال:

جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت

ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت

وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت

كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري

ولماذا لست أدري؟ لست أدري

إن الذين أعرضوا عن الدين يعيشون بمثل هذا المنطق لا يدرون فيما يعيشون، ولم يعيشون، وكيف يعيشون، وإلى أي غاية يسيرون، وإلى أي هدف يسعون، أولئك أقوامٌ مبدؤهم لست أدري، وغايتهم لست أدري.

والكلام في هذه المحاضرة ليس للشاب وحده، بل للشاب والشابة، للذكر والأنثى، للرجل والمرأة، للفتى والفتاة يقول أحد الضلال الذين أدبروا عن الإسلام، وجعلوا الإسلام خلفهم ظهرياً، يقول:

أجديد أم قديمٌ أنا في هذا الوجود

هل أنا حرٌ طليقٌ، أم أسير في قيود؟

هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود؟

أتمنى أنني أدري ولكن لست أدري.

نعم عندما بعد عن طاعة الله، وعن كلام الله وسنة رسول الله، فهو لا يدري، وسوف تقف عليه الملائكة في قبره، ويأتيه ملكان عظيمان، فيجلسانه ويقولان له: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟، فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان: لا دريت ولا تليت، ويضربانه بمطرقة من حديد يصرخ بعدها صرخة يسمعه كل من على الأرض إلا الثقلين هذا الجاهل وهذا الضال الذي استدبر الهدف، وولى بعيداً عن طريق الهداية، يتكلم عن طريقه فيقول:

وطريقي ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟

هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور؟

أأنا السائر في الدرب أم الدرب يسير؟

أم كلانا واقف والدهر يجري؟ لست أدري

أوراء القبر بعد الموت بعث ونشور؟

فحياةٌ فخلودٌ أمم فناءٌ فدثور؟

أكلام الناس صدقٌ أم كلام الناس زور؟

أصحيح أن بعض الناس يدري لست أدري

نعم عندما أعرض عن الله، وعن كلام الله، وأعرض عن مجالس يذكر فيها الله، وأعرض عن حلق يتلى فيها كلام الله، بات لا يدري، وسيظل لا يدري، وربما خرج من الوجود وهو لا يدري.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:١٢٢].

أيها الشاب: إن كنت مسلماً فتبرأ من هذا الذي قال: لست أدري، وقل: بلى أدري {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] بلى أدري {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:١٥٦]، بلى أدري {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} [آل عمران:٣٠]، بلى أدري أن الله سيضع الموازين {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:٤٧]، قل: بلى أدري {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:٤٩]، قل: بلى أدري، وستدري وتعلم إذا أنت استفدت من عقلك، واستفدت من سمعك وبصرك، أما إن كنت من الذي قال الله عنهم: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف:١٧٩]، معاذ الله، ونعوذ بالله أن نكون منهم {وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:١٧٩].

لهم أبصار تبصر بدرجة ستة على ستة من قوة ودقة الإبصار، لكنها رأت صورة خليعة، وفتنة عظيمة، ومجلة رقيعة، وشهوة محرمة لكنها ما رأت ملكوت السماوات والأرض، ما تدبرت في خلق الله، ترى شيئاً من البنيان فتتعجب، وما تتعجب وتتفكر من سماء رفعها الله بغير عمد تجد أمتاراً قد حفرت في الأرض فتتعجب، ولكنها لا تعجب من جبال ينسفها الله يوم القيامة، فيذرها قاعاً صفصفاً، لا تتعجب من جبال لو سخرت فيها جيوش الدنيا ما حركتها من مواقعها، ولكنها بأمر من الله وبكلمة (كن) من الله جل وعلا، يجعلها الله كالعهن المنفوش، يجعلها الله هباءً منثوراً، يجعلها الله تمشي وتسير {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل:٨٨].

أيها الشاب: إن كنت صادقاً فإياك أن تقول: لا أدري، ولن أدري، وسأظل لا أدري، ولكن قل: دريت وعلمت، واستقمت وسمعت وأطعت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا} [البقرة:١٠٤]، أطيعوا الله جل وعلا.