للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مفاهيم مقلوبة وأغاليط معوجة]

أيها الشاب: ربما غرك من غرك، وقال: لا تكن مجرماً مروجاً زانياً فاجراً كفاراً، ولا تكن مطوعاً معقداً -كما يسمون- ملتزماً مستقيماً، ولكن عليك -أيها الشاب- وعليك -أيتها الشابة- بالوسط والاعتدال، وتجنبوا الغلو والتطرف، وعليك بأن تكون وسطاً في عبادتك، وساقوا على نحوٍ من هذا أفهاماً معوجةً، وأغاليط متتابعة، يقول بعضهم: لا تكن متطرفاً، ولا تكن منحرفاً من هو المتطرف أيها الأحبة؟! هل الذي يحافظ على الصلاة مع الجماعة يكون متطرفاً؟! هل الذي يهجر الغناء والخنا واللهو والمعاصي يكون متطرفاً؟! هل الذي يحافظ على ما أمر الله، وينزجر عما نهى الله نقول عنه: متطرف؟! إذا قال شابٌ: أنا لست مجرماً، ولست غالياً، أو متطرفاً، فأنا وسط، فماذا يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إذا كنت أنت الوسط بتركك بعض الواجبات، وتهاونك في بعض المعاصي والسيئات، ووقوعك في بعض المنكرات، إذا كنت أنت الوسط، فماذا يكون أبو بكر الصديق؟ وماذا يكون عمر وعثمان؟ وماذا يكون علي والمقداد؟ وماذا يكون علي والمغيرة؟ وماذا تكون عائشة وحفصة؟ تقول شابةٌ: أنا لن أكون زانية، أو مضيفة، أو فاجرة، ولكن لن أكون متشددة، أو معقدةً، أو متزمتةً -كما يسمونها- ملتزمةً مستقيمةً، سأكون وسطاً إن كنت وسطاً فماذا تكون عائشة؟ إن كنت معتدلة فماذا تكون حفصة؟ إن من المفاهيم المقلوبة والألفاظ المعوجة غيرت على كثير من الشباب والشابات حياتهم، فجعلتهم يرضون بالانحراف، ويمشون على الأغلاط، ويقتنعون بأخطاء كثيرة يصبحون عليها ويمسون.

فيا أيها الشاب الكريم! ويا أيتها الأخت المسلمة: الواجب على الإنسان أن يفكر، والله لو أراد بائع أن يخدعنا في سلعة بعشرة ريالات، أو عشرين ريالاً، لما رضينا أن نخدع، ولو أراد أحد أن يمرر علينا قصة خيالية، لقنا: هذا أمرٌ لا يعقل، فكيف يمرر علينا أعداؤنا آلافاً من الشبهات، وكثيراً من الأفكار التي تغير علينا سير حياتنا، وصدق استقامتنا، ونور طريقنا إلى الله جل وعلا.

وبعض الشباب يقول: إن الالتزام تقييد للحرية، وأنا أحب الحرية وبعضهم يقول: أحب الانطلاق، ولا أحب الكبت، وأنا إن التزمت فسوف أكون محرماً؛ لأن الالتزام -في ظنه- كما يقول بعضهم: ركب على عقلك قفلاً، أو ركب على دماغك أقفالاً حتى تكون ملتزماً لا والله، إن التخلف كل التخلف وتحجير العقول هو في مثل هذه المعاصي والسيئات، أما العقل واللب والحجى والفهم والتدبر، فهو في الاستقامة بإذن الله جل وعلا.

وبعض الشباب يستدل بواقع بعض الذين يرون في ظاهرهم ملتزمين، وربما وقع منهم شيء من الأخطاء، أو يرى رجلاً وقعت منه معصية ووقعت منه طاعة، فيقول: لا أريد أن أكون مثل هذا والعجب أن هذا المفهوم منتشرٌ عند كثير من المسلمين في الأسبوع الماضي كنت مع سائق في سيارة، فقلت له: منذ كم وأنت في المملكة العربية السعودية؟ فقال لي: تقريباً ست سنوات، فقلت له: هل حججت؟ قال: لا، أنا لم أحج حتى الآن، قلت: لماذا لم تحج إلى الآن؟ قال: أنا إذا قمت بالحج فلابد ألا تكون هناك أخطاء، وبعد ذلك أنا لا أخاصم أحداً، الناس يأخذون حلالي ولا أخاصمهم، ويأخذون ما يريدون ولا أعمل معهم أي خصومة وهلم جراً، ويظن أنه إذا قام بأمر الله فيستسلم لأعدائه يأخذون ما شاءوا من ماله، ويتسلطون عليه بأي طريقة، ويقول: هناك أناس يحجون ولكنهم يفعلون ذلك، وهناك أناس يصومون لكنهم يفعلون ذلك، وهذا -أيضاً- واقع بعض الشباب وبعض الشابات، يقول: فلان ربما ينتسب إلى الالتزام ووقع منه الخطأ، فلانة تنتسب إلى التدين ووقع منها الزلل.

إن المعصية ليست حجة على معصية أخرى، وقد يجتمع في العبد سنة وعمل صالح وعمل سيئ، وحسنة وخطيئة، ولكن كما قال الله: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:١١٤] وبعض الناس-والعياذ بالله- يحتج بالخطأ على الخطأ، وبالرذيلة على الرذيلة، وبعضهم يقارن ويفارق بين هذه الدرجات.