للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قاعدة: درأ المفاسد وجلب المصالح]

معاشر المؤمنين! لا نجير عقولنا لأحد، لو أن رجلاً في الجنوب أو في الشمال رأيناه يعقد تميمة، هل من المعقول أن نقول: إن قاضي البلد من المشركين؟ لو رأينا رجلاً في الرياض يعتقد بالشعوذة، أمن المعقول أن نقول: إن سماحة الشيخ من المخرفين أو المشركين؟ إذا ارتكب الذنب ذاك نتهم هذا بمصيبته، وهب أن الرجل نُصح ودُعي إلى قطع تميمته، أو إزالة منكره، فأبى وأصر وحوله من قبيلته الجاهلة ما يتعصب به، والمجاهد أو القائد بين أمرين: بين مضيٌ في جهاد الشيوعيين، وبين التفات لتعليم هذا.

أمن الحكمة أن نقول: دع جهادك وابدأ بقومك فقاتلهم على تميمة أو علم أخضر على قبر، ليكون علامة لشهيد؟ أنا لا أقول هذا إقراراً به، لكن أقول: إن من طلب العلم، وعرف المقاصد والمصالح، والمفاسد والمنافع، ووازن بينهما، عرف أن ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما أمر مطلوب، وعلم أن تفويت المصلحة الصغرى لتحصيل مصلحة كبرى أعظم مطلوب.

إن سب المشركين وآلهتهم مشروع، ولكن الله جل وعلا يقول: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:١٠٨] ترك سب آلهة المشركين حتى لا يجُر ذلك إلى أن المشركين يسبوا الله.

قال صلى الله عليه وسلم لـ عائشة: (لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية، لهدمت الكعبة وأعدت بناءها على قواعد إبراهيم) ومع ذلك ترك النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر الراجح لأمرٍ مظنون أو لأمر قد يقع، ألا وهو أن تهتز نفوس القوم لمكانة وعظمة الكعبة في قلوبهم.

نحن لا نقول: نرضى بالتمائم، أو من رأيناه معلقاً تميمة أو وضع علماً أخضر على قبر من قُتل، نحسبه من الشهداء أو نسأل الله أن يكون من الشهداء، نحن لا نقول له: هذا عمل جيد، هذا عمل من السنة، لا، لكن نقول: انصحه، وبين له، وقرب له الأمر.

من الناس من يظن أن الوضع في أفغانستان كالوضع في الرياض أو كالوضع في جدة، أو كالوضع في الجنوب أو الشمال، بمعنى أنه لو أخطأ أحد فبإمكانك أن تأمره، فإذا لم يأتمر بوسعك أن ترفع به إلى قاضي البلد، ويُستدعى ويحاكم، ويقام عليه الأمر.

يظن أن الأمر هكذا، ولا يعلم أن الأفغان من البادية شيء كبير، قبائل شتى، ولو أن رجلاً اعتدى على واحد منهم في أمر تربى عليه منذ الطفولة لكان حرياً أن يستنجد بأرومته وقبيلته، ثم حينئذٍ ماذا يكون شأن القائد؟ هل يقاتل قومه، أم يقاتل الشيوعيين؟ من قال: إن المجاهدين لا يريدون أن يغيروا أو يصلحوا؟ ولكن منهم من يقول: نبدأ بهذا بطريقتنا وأسلوبنا، ونقول: أنت على حق وجزاك الله خيراً، ومنهم من يقول: نشتغل بالشيوعيين، ونوجه النصيحة لهؤلاء، ونقول: جزاك الله خيراً، وأنت على حق.

أما أن نريد أن نجمع الأمة بالقوة والقهر، ونحن لم نتمكن بعد، نورث خلافات ومصائب وأمامنا العدو الأكبر وهو الشيوعية، ثم من هو الذي يقول: إن مسألة التميمة تساوي مسألة الإلحاد والشيوعية، أين العقول أيها الإخوة؟! إن مصيبتنا ممن لم يفقه إلا حديثين أو ثلاثة، أو آيتين أو أربع، ثم يذهب يوماً أو يومين أو أسبوعاً أو أسبوعين، ثم يقول: نصحت فلم يغيروا التميمة، أمرت فلم يرفعوا العلم.

شيء طبيعي لا يغيروا، من أنت حتى نغير لك؟! هل عرفناك بالتضحية؟ هل ذقت شيئاً مما ذقناه؟ هل جعت كما جعنا؟ هل عطشت كما عطشنا؟ هل رأيت من الجراح والآلام كما رأينا؟ هل رأينا منك الصبر والثبات كما صبرنا؟ ثم بعد ذلك إذا وُجد من استطاع أن يثبت يكون حري بأن يغير، وما أكثر الشباب الذين عرفتهم في جبهات الشمال، في بنشير وبدخشان وهرات، وفي جبهات أخرى، عاشوا ثمانية أشهر وعشرة أشهر، تواضعوا، تأدبوا تلطفوا، حتى تَعلَّم الأفغان منهم التواضع وحسن الأدب.

ثم قربهم إلى قلبه، وقربهم إلى الكتاب والسنة، وأثنى على الإمام أبي حنيفة؛ لأنهم يعتقدون في الإمام أبي حنيفة إمام المذهب، وهم جهلة عندهم أن الله لا يمكن أن يعبد إلا على طريقة أبي حنيفة عند بعضهم.

ولا يُلام إذا تربى على ذلك، لكن إذا بقيت عندهم، وأحسنت صحبتهم، وكسبت قلوبهم، ثم قلت: إن الإمام أبا حنيفة رحمه الله من أقرب المذاهب إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وإن الإمام الأعظم أبا حنيفة من الذين يقولون: ما وافق الكتاب فهو مذهبي، وإذا صح الدليل فهو مذهبي، اعرضوا قولي على الدليل، فإن وافقه وإلا فاضربوا به عرض الحائط، حينئذٍ تعرض عليهم الدليل وتقول: هذا مذهب أبي حنيفة، فيقبلون به ويسمعون.

أما أن تأتي لمدة أسبوع أو أسبوعين، وتريد أن تقطع التمائم من الصدور بهذه الطريقة، أين العلم والوعي والبصيرة والحكمة في الدعوة إلى الله يا إخوان؟!