للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تواضع النبي صلى الله عليه وسلم للأطفال]

أيها الإخوة: قد يعجب بعضكم من حديثنا آنف الذكر وهو أن نقيم للأطفال قدراً واحتراماً، أقول: لا تعجبوا ولا تستغربوا، فإن ذلك من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، يقول أنسٌ رضي الله عنه: [كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر على الصبيان سلَّم عليهم].

إن كثيراً منا ليمر على الكثير من الأطفال الصغار، فيربأ بنفسه أن يلتفت برأسه باسماً أو باشاً إليهم، وبعضهم يرتفع بقدره عن أن يسلم عليهم، لست أفضل من نبينا، ولست أكرم من رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي يقف للعجوز والصغير والكبير، يقول أنس: (كان يسلم على الصبيان) فهذا دليلٌ وأصلٌ وقاعدةٌ في احترام الأطفال الصغار وإظهار قدرهم؛ لأنه منذ تلك اللحظة التي يدرك الصغير فيها أننا نسلم عليه ونلتفت له، ويعلم أن ألواناً من الآداب والأخلاق لابد أن تسود هذا المجتمع في جانب المعاملة، وفي جانب معاملة الصغار للكبار، والكبار للصغار، فينشأ عليها نشأة تربوية إسلامية صالحة، أما أن نترفع عنهم، أو نسبهم، أو نشتمهم، أو نظهر لهم ألوان السباب والكلام البذيء، فإنهم يلتقطون منا ما نخرجه إليهم وسيردون البضاعة علينا في يومٍ من الأيام؛ فينبغي أن نقدم لهم بضاعةً نظيفةً طيبةً صالحة، حتى إذا دار النقاش أو حصل الكلام، سمعنا منهم ألطف العبارة، وألين الكلام، وأجمل الأساليب؛ لأننا نحن الذين زرعنا وبذرنا ذلك في نفوسهم، فعند ذلك نحصد ثمرته، ونجني عاقبته.

إن بعض الآباء هداهم الله لا يرون للأطفال محبة ولا تقديراً أو كرامة، بل إن بعضهم لا يكون في قلبه الرحمة لأولاده، ولعل الكثير منهم بسبب تبلد حسه لا يلتفت إلا إلى الصغير منهم فقط، وقد لا يلتفت إليه، وأما بقية أولاده فإنه لا يلتفت إليه ولا يداعبه ولا يلاعبه ولا يمازحه، وهذا خطأٌ عظيم، إن هذا نوعٌ من الجفوة والقسوة.

دخل الأقرع بن حابس على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فرأى أحد بني ابنته جالساً على رجله يقبله، فقال الأقرع بن حابس: (أوتقبلون صبيانكم يا رسول الله؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم، فقال صلى الله عليه وسلم: أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك، من لا يَرحم لا يُرحم).

إذاً يا عباد الله: أظهروا وأبرزوا وبينوا معالم العطف والرحمة باحتضان الأطفال، وبالالتفات لكلامهم، وتفهم ما يحتاجونه، والنظر إليهم بعين التقدير والاحترام، فهذا كفيلٌ وحريٌ بأن يظهر ويغرس نوع المعاملة المبنية على الكرامة والتقدير والاحترام بين الولد ووالده.

ألسنا نرى كثيراً من الآباء يدعو ولده فلا يلتفت إليه، وينادي ولده فلا يجيبه، ويصرخ بولده فكأن شيئاً لم يحدث! لماذا؟ لأن الطفل مراتٍ ومرات، صاح بوالده، يا أبتِ! ما هذا؟ فلا يجيبه، يا أبتِ! أخبرني عن هذا؟ فلا يلتفت إليه، يا أبتِ! ما هو السبب في هذا؟ فلا يقيم لسؤاله وزناً ولا قدراً، فعند ذلك يعامله بنفس الأسلوب في باب جواب النداء، فلا يلتفت الصغير إلى الأب يوم يناديه، ولا يلقي له بالاً في كثيرٍ من الأحيان والأحوال.

وعلى أية حال، إنك لن تجني من الشوك العنب، ينبغي أن نتفهم أحوال صغارنا وأن نلتفت لهم، وإن مما يؤسف له أن نرى بعض الأسر الغربية في دول الحضارة الغربية الساقطة من الذين أقاموا لهذه الناحية وزناً وقدراً في مرحلة الطفولة، لكنهم سرعان ما يضيعون جهودهم يوم أن يصل الفتى أو الفتاة إلى مرحلة المراهقة، فيطلقون باب الإباحية والعلاقة المفتوحة لهم، على أي صعيدٍ وعلى أي مستوى، وبأي أسلوبٍ يتعرفون ويرتبط بعضهم ببعض.

ينبغي أن نكون -معاشر المسلمين- سباقين لهذا الأمر وأن نفهمه، لا سيما وأن له أصولاً عظيمة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ واقفاً يخطب، فإذا بأحد بنيه يمشي يتعثر في ثوبٍ له، فنزل صلى الله عليه وسلم وحمله على يده، وأتم خطبته وحديثه، لقد كان صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ ساجداً فجاء الحسن أو الحسين فركب على ظهره والنبي صلى الله عليه وسلم ساجد، فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطعه، فلما أكمل صلاته قال: (إن ابني هذا ارتحلني -أي: جعلني رحلا- فتركته حتى قضى نهمته، ثم نزل، ثم قمت إلى صلاتي) لقد جاءت أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم يصلي، فلما تعلقت عند رجله حملها وأخذ يركع ويسجد وهي في يده، أي عطفٍ! وأي شفقةٍ! وأي رحمة! أين أرباب التربية؟ وأين أساتذة الأخلاق؟ وأين دكاترة الأخلاق والنبل؟ أفلا يرون في هذا النبي الكريم الأمي الذي لم يقرأ ولم يكتب أروع المثل في سيرته وفي كلامه وفعله، أروع التجارب وأصدق الخبرات في باب التربية؟ إن كثيراً من المسلمين عن هذا غافلون.