للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حفظ الله لعباده المؤمنين]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد: عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بهذا الدين، واعلموا أنه لا عز ولا نصر ولا تمكين إلا به.

عباد الله: إن الله جل وعلا يقدر المقادير بقضاءٍ وقدر، ويجعل القدر بعدلٍ وحكمة ورحمة، والعباد أمام مقادير الله جل وعلا، بين متعظٍ متدبر ومتأملٍ متفكر، وبين لاهٍ غافلٍ ساه.

فيا عباد الله! إن المحنة التي مرت بالمسلمين لجديرة في أن يستلهم الناس من أحداثها ومقدماتها وواقعها ونتائجها أكثر أنواع العبر في مختلف الميادين والمجالات.

عباد الله: لقد كان أعداء الإسلام ممثلين في البعثيين والعلمانيين، الذين طبلوا لهذا القائد البعثي في زمن سلطته وشهرته، والذين تابع بعضهم تطبيلاً وتزميراً له كانوا معه ومع حزبه يراهنون على مجتمعكم، أن هذا المجتمع سوف يتفكك وسينقسم ويتناثر ويصبح كل حزبٍ فيه بما لديهم فرحون، ولكن بحمد الله ومنه وفضله لم ينالوا ولم يجدوا ولم يروا مما أملوا شيئاً، على الرغم من أنهم أجلبوا وأرعدوا وزمجروا عبر إذاعاتهم وعبر أصواتهم وعبر المأجورين المسخرين للإشاعة وعبر كثيرٍ من العقول المأجورة، والأقلام المسعورة، والحناجر المستوردة، رغم هذا كله لم ينالوا ولم يستطيعوا أن يجدوا في هذا المجتمع بمن الله وفضله نافذة يتسللون من خلالها أو باباً يدخلون خلسة منه، واعلموا -يا عباد الله- أنه لا بحولكم ولا بطولكم ولا بجنسيتكم ولا بأموالكم ولا بنعمكم وأموالكم نلتم هذا، ولكن هذا كله من فضل الله، بل الله يمن عليكم وهو المتفضل عليكم أولاً وآخراً، ظاهراً وباطناً، فالحمد لله على هذه النعمة، إن أي مجتمعٍ يواجه غزواً خارجياً بالحرب، وداخلياً بالإشاعة أو عبر الأصوات المتسللة، وعبر موجات الأثير، يوشك أن تجد الإشاعة والمقالة فيه وسطاً مناسباً.

أما في هذا المجتمع بمن الله وفضله لم تجد تلك الإشاعات ولم تجد تلك الأصوات النتنة التي دأبت على إثارة النعرات، واستغلت أموراً كثيرة، لعلها أن تجد باباً يكون بداية الانقسام أو الحزبية، ومع هذا باءت بالفشل، وإني لأعزو هذا بمن الله وفضله أن الله جل وعلا قد ثبت هذه البلاد بالجبال الشامخات الراسيات من العلماء الذين يدينون لله جل وعلا في فتواهم وفي قولهم وفي مواقفهم ويدركون الحكمة والسبيل حسب المصالح الشرعية.

أيها الأحبة: لقد كان خطراً عظيماً على أمة الإسلام، ولكن ما هو أعظم خطرٍ يواجه الأمة؟ والله إن الأمة لو حشد عليها أضعاف أضعاف ما حشد، فإن هذا ليس بخطرٍ بالنسبة إلى الأمر الذي يهلكها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين، سألت ربي ألا يسلط على أمتي عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم) إن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله جل وعلا ألا يسلط علينا عدواً كافراً يهودياً أو نصرانياً، سأل الله ألا يتسلط علينا عدوٌ بحربٍ عسكرية، أو اجتياحٍ غاشم، فأجاب الله جل وعلا هذه الدعوة، والأخرى يقول عليه الصلاة والسلام: (وسألت ربي ألا يهلك أمتي بسنة عامة) أي: إن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله ألا يتسلط على هذه الأمة جدبٌ، أو قحطٌ، أو زلازل، أو براكين، فتهلك الأمة عبر هذه الكوارث الخطيرة، فأجابه الله جل وعلا، وسأل النبي ربه الثالثة وهي التي لم تجب؛ لأنها علقت بنا، ولأنها ارتبطت بنا، وهي متمثلة في سلوكنا وعلاقاتنا والتزامنا وعضنا بالنواجذ على شرع ديننا، سأل النبي ربه الثالثة (ألا يجعل بأسهم بينهم) فلم تكن هذه كالتي قبلها.

أيها الأحبة: إن أخطر خطرٍ وأعدى عداوة تلك التي تنشأ في صفوفنا، تلك التي تنبعث من بيننا، أما أن يأتي زلزال أو بركان أو كارثة تأخذ الأمة أجمع، فهذه لن تكون، واطمئنوا وقد تكفل الله بإجابتها لنبيكم، أو أن عدواً يتسلط عليكم فيجتاحكم هذه لن تكون بمن الله وإذنه، يوم أن تكون الأمة على هذا المستوى الذي ينبغي أن تصل إليه بالإعداد وأخذ الأسباب، أما أن ينشأ خللٌ وانشقاقٌ وانقسامٌ وهلكةٌ بسبب هذه النفوس، فهذا وارد وممكن.