للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إصرار التائب أحمد على تسليم نفسه للمحكمة]

فلما مكثت في الرياض قليلاً بعد وصولي إذا به يتصل بي، فواعدته ثم قابلته، فلما رآني انفجر باكياً ويقول: والله مذ فارقتك وفعلت فعلتي تلك ما تلذذت بنومٍ إلا غفوات.

ما قولي أمام الله يوم أن يسألني ويقول: عبدي زنيت؟ فأقول: نعم.

زنيت وسرت بقدمي هاتين إلى الزنا، فقال صاحبنا لذلك التائب: هون عليك إن رحمة الله واسعة، إن الله غفور رحيم.

ثم قال ذلك الشاب التائب لصاحبنا هذا: ما جئتك زائراً ولكني جئتك مودعاً.

قلت: إلى أين؟ قال: جئتك مودعاً ولعلي ألقاك في الجنة إن أدركتني رحمة الله، أو رحمني الله بواسع رحمته، قلت: إلى أين تذهب؟ قال: أسلم نفسي إلى المحكمة، وأعترف بجرم الزنا حتى يقام حد الله علي.

فقلت له: أمجنونٌ أنت؟! أنسيت أنك متزوج؟! أنسيت أن حد الزاني المحصن الرجم بالحجارة حتى الموت؟! قال: ذاك أهون على قلبي من أن أبقى زانياً، وألقى الله زانياً غير مطهرٍ بحدٍ من حدوده.

قال صاحبنا: أما تتقي الله! استر على نفسك، استر على أسرتك، استر على جماعتك.

قال: كلهم لا ينقذونني من النار، وأنا أريد النجاة من عذاب الله.

قال: فضاقت بي المذاهب، وأخذته وقلت: أريد منك شيئاً واحداً.

فقال التائب: اطلب كل شيء إلا أن تردني عن تسليم نفسي إلى المحكمة.

قال: غير ذلك أردت منك وأريد أن توافقني عليه.

قال: ما دام غير ذلك أوافقك.

فقال صاحبنا له: امدد يدك عاهد بالله على أن تعمل وتصبر لما أقول.

قال: نعم.

فعاهدني.

قال: فقلت: نتصل بالشيخ فلان من أكبر العلماء وأتقاهم لله، حتى نسأله في شأنك فإن قال: سلم نفسك إلى المحكمة، أنا الذي أذهب بك بنفسي، وإن قال: لا.

فلا يسعك إلا أن تسمع وتطيع.

قال: نعم.

فسألت الشيخ، قال الشيخ: لا يسلم نفسه، وقال الشيخ الذي سئل عن تسليم الشاب نفسه إلى المحكمة: إن هذا الشاب قد أقلقه بالهاتف، واتصل به مراراً يريد أن يقنعه أن يسلم نفسه، ويجادل ويلح ويصر على تسليم نفسه، قال: فلما قابلته، قلت: لماذا أزعجت الشيخ بهذا الاتصال، وأنا الذي قد كفيتك مئونة الاتصال به؟! فقال: أحاول فيه لعلي أقنعه فيوافقني أن أسلم نفسي.

قال: ومن كلام هذا الشاب التائب للشيخ إني قلت له: اتق الله يا شيخ! فأنا أتعلق برقبتك يوم القيامة وأقول: إني يا رب! أردت أن أسلم نفسي ليقام حد الله علي فردني ذلك الشيخ، فقال الشيخ: هذا ما ألقى الله به، وما أفتيتك إلا عن علم.