للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أدماء المسلمين رخيصة؟!]

الحمد لله منزل الكتاب، ومنشئ السحاب، وهازم الأحزاب، لا إله إلا هو رب الأرباب، عليه توكلنا وإليه مآب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى صحابته الكرام، وعلى زوجاته أمهات المؤمنين، ومن اتبعه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بسر رفعتكم، ومصدر سيادتكم، وسبيل كرامتكم، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك.

معاشر المؤمنين: هذه الحادثة مرت وكأنها ما وقعت، لو قتل صحفي كافر شرقي أو غربي؛ لقامت دول الكفر ولم تقعد؛ ولضجت الصحف، ولطنطنت وسائل الإعلام، أما عالم من علماء المسلمين فإن الدماء رخيصة؟!! حادثة يسيرة!! وعلى حد قول بعضهم:

وموت كلب وادعٍ جريمة لا تغتفر

وقتل شعب آمنٍ مسألة فيها نظر

معاشر المؤمنين: إن لم يلتفتوا لعلمائنا فنحن نلتفت لهم، إذا كانت دول الكفر تضج وتصيح لرهينة من الرهائن، ولا تزال تضغط بكل ما أوتيت من السبل والوسائل أمام كافر لا يساوي هو والكفار وما أوتوا من الأموال والمتاع عند الله جناح بعوضة، فإن في قلوبنا لعلمائنا مكانة، وإن في أنفسنا لعلمائنا مكانة، ندرك هذه المكانة، ونعرف أنهم مصابيح الأرض على الدنيا، ونعرف أن الله جل وعلا شرفهم بحمل كتابه وسنة نبيه.

معاشر المؤمنين: نحن نعلم أن القضاء واقع، وأن الأمور بأسبابها، وأن الشيخ إحسان إلهي ظهير رحمه الله رحمة واسعة، لو لم يمت بهذه القنبلة لمات في تلك اللحظة التي انتقل فيها إلى جوار ربه، لأن كل مسلم يعلم عقيدة يقينية قول الله جل وعلا: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:٣٤] الموت لا يتأخر لحظة، ولا يتقدم أخرى، ولا شك أنه سيموت في تلك اللحظة، ولكن لما أراد الله إكرامه بالشهادة، ولما أراد الله إجزال الأجر والمثوبة له جعل وفاته شهادة إن شاء الله، جعل وفاته بهذه المصيبة.

حدثني أحد الإخوان الذي رأى والده وهو يصلي عليه في الجامع الكبير، وبعد أن انصرف الناس من صلاة الجنازة رأوا رجلاً كبيراً طاعناً في السن وهو يفقد ولده، يفقد عالماً من علماء الإسلام، يرفع يداً تنتفض رهبة ورجاءً وخوفاً إلى الله ودموعه تتساقط على وجنتيه من عينيه، وهو يدعو دعاءً بالأردية فقهه الذين يفهمون هذه اللغة، يقولون: كان يقول: الحمد لله الذي جعل موته على هذه الحالة.

ذكرني بـ الخنساء، التي ما تركت ليلة ولا نهاراً إلا وهي تبكي على أخيها صخر يوم أن قتل في الجاهلية.

يذكرني طلوع الشمس صخر وأذكره لغروب كل شمس

ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي

جزعت وهلعت من موت أخيها صخر، ولما أن دخل الإيمان في قلبها واستشهد أبناؤها الأربعة، جاءوا إليها وقالوا: احتسبي الله في أولادك، فقالت: الحمد لله الذي شرفني بموتهم في سبيله.