للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سوء معاملات الأزواج]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهو الذي يخاطب عباده كافة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١].

معاشر المؤمنين! يقول الله جلَّ وعَلا في محكم كتابه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:٢١].

هذه الآية يا عباد الله نص واضح جلي في أصول العلاقات الزوجية التي يجب أن تقوم على المودة والرحمة كما بيَّن سبحانه وتعالى أن من حكمته العليمة بما يصلح للنفوس وما ينفعها أن جعل الزواج سكناً وأمناً واستقراراً واطمئناناً، وأي شيء أبلغ من قوله جلَّ وعَلا: {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم:٢١]؟! والذي نراه في زماننا هذا في أحوال بعض المتزوجين هو انعكاس مفهوم هذه الآية، وحدوث ما يخالفها، فبدلاًَ من أن ترى السكَن والمودة والرحمة في حياتهم الزوجية تجد السباب والشتائم والنكد والحسرة! فلماذا يحدث هذا كله، والله جلَّ وعَلا يقول: {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم:٢١]؟! أليس السكَن يؤوي الإنسان ويستره، وهو ملاذه بعد تعبه، ومستقره بعد مشقته وسفره؟! فلماذا لا نرى جميع هذه الأمور في كثير من الزيجات، وفي كثير من الزوجات التي خلقها الله لنا لنسكن إليها؟! وهل قامت المودة والرحمة فيما بيننا أم لا؟! علينا يا عباد الله قبل أن نجيب على هذه الأسئلة أن نتزن في تحديد الإجابة عليها، بعد تعيين مصدر القلق والنزاع في الحياة الزوجية! فهل السبب من الرجال أم هو من النساء؟ أم هو سبب مشترك بينهم؟ وقبل أن نسترسل في هذا الموضوع يجب أن يعلم الجميع أننا لا نعني أن كل واحد يعيش في مشاكل زوجية، ولكن من الملموس أن بعض المسلمين يعيشون الحسرة والنكد من تلك المشاكل.

حتى إن بعضهم ليضطر أن يأتي الحرام، والحلال قريب منه في داره.

حتى إن بعضهم ليضطر أن يسافر بعيداً فراقاً عن زوجةٍ تكون مصدر نكد وحسرة.

ويا تُرى هل هو السبب أم هي؟! فمن كان من أولئك -عافانا الله وإياهم وستر علينا وعليهم- فليجتهد ما استطاع في حل مشكلته، ومحاولة الوصول بها إلى بر الأمان، وموقع الاستقرار.

ومن كان آمناً مطمئناً، فليحمد الله وليرْعَ نعمته، وليُسْدِ النصيحة لإخوانه الذين يراهم على تلك الحال.

فهناك من النساء من يشكين سوء معاملة الأزواج، وهذا أمر قد حدث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث بلغه أن بعض الصحابة يضربون أزواجهم، فقال صلى الله عليه وسلم: (وما أولئك خياركم).

وقال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).

وكان صلى الله عليه وسلم خير قدوة وأسوة في تطبيق أسس العلاقات الزوجية على حد سامٍ من المعاملة الحُسنى لأهله وأزواجه، فكانت قوامته على أزواجه على أتم العدل والقسط.

وتذكروا يا عباد الله أنكم يوم عقدتم مواثيق النكاح قبل دخولكم بأزواجكم، أنكم استحللتم فروجهن بما في كتاب الله من القيام بجميع الحقوق الزوجية، من التربية، والنصيحة، والنفقة، والسُّكنى، والمعاملة الطيبة، والإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان، ذلك العقد والميثاق الذي دخل به الرجل على زوجته مشهود عليه من قبل الله جلَّ وعَلا، ثم عاقِدُه وشهوده المؤمنون، فكيف يسوغ لمؤمن أن يظلم نفسه بظلم أهله وزوجه! ونحن اليوم يا عباد الله نرى وابلاً كثيفاً من الرسائل والكتابات، ترسل بها بعض النساء إلى برامج التوجيه الاجتماعي، عبر وسائل الإعلام المختلفة، يشتكين فيها سوء معاملة الأزواج، والظلم الذي لا يوجد له أي تفسير، أضف إلى ذلك ما نراه في المحاكم الشرعية التي نراها تمتلئ بخصوص فض النزاعات الزوجية وإنهائها بالخُلع أو الطلاق، عافانا الله وإياكم من ذلك.

ومن العجيب يا عباد الله: أنك ترى كثيراً من المشاكل الزوجية تصدر من رجال تعرفهم بحُسن السيرة والسلوك، والتواضع ولين الجانب، والأدب الرفيع في المعاملة والأخلاق مع الناس خارج منازلهم، لكن إذا دخل أحدهم بيته؛ انقلب على حد زعمه أسداً هصوراً، يأمر وينهى، يُرعِد ويزمجر، نقول له: أليس أهلك وزوجك هم أحق بِحُسن معاملتك ورعايتك؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون!