للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثمار التقوى]

تلك هي صفات المتقين يا عباد الله، وإن كان كل أمر لا يعلو قدره إلا بمعرفة ثمرته، فإن ثمار التقوى عظيمة جداً: أولها: الهداية بنور الله جلَّ وعَلا: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:٢].

وثانيها: المكانة العالية عند الله، وأعظِم بها من ثمرة {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة:٢١٢].

ثم إن التقوى أجلُّ سبب إلى حصول العلوم النافعة، {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:٢٨٢] ومن اتقى الله وعمل بما علم، أورثه الله علم ما لم يعلم.

ومن هنا -أيها الأحبة- ندرك سبب الفتوحات الإلهية، والإلهامات الربانية على سلف الأمة الصالح الذين قضوا حياتهم بين الجهاد والدعوة، والتعليم والتصنيف، جمعوا بين ذلك كله وبين العلم الواسع الغزير الذي يجعل المسلم في هذا الزمان يندهش من كل ما ألَّفوا وصنَّفوا، يندهش من محفوظاتهم وما حصَّلوا من العلوم بأنواعها، وما ذاك إلا بتقوى الله {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:٢٨٢].

ورابع ثمار التقوى: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر:- {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:١٥].

وأي نعيم يا معاشر المؤمنين؟! أي نعيم على العبد أعظم مما هداه الله جلَّ وعَلا إلى التقوى؟! وبذا ينال محبة ربه وخالقه ومولاه {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران:٧٦].

وإذا اطمأن العبد الذليل الضعيف إلى محبة الله العظيم الجليل الكريم فلا يسأل بعدُ عن محبة أحد بعد الله ورسوله.

فليتك تحلو والحياة مريرةٌ وليتك ترضى والأنام غضابُ

إذا صحَّ منك الود فالكل هيِّنٌ وكل الذي فوق التراب ترابُ

وليت الذي بيني وبينك عامرٌ وبيني وبين العالمين خرابُ

وما لا يُحصى من ثمار التقوى: من المعية والإحاطة من الله جلَّ وعَلا لعباده المؤمنين المتقين، والفلاح والتوفيق لهم في الدنيا والآخرة، واطمئنانهم، وبُعد الخوف والحزن عنهم، وحصول الفوز والبشارة بالنعيم، {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس:٦٢ - ٦٤].

وتأملوا ثمار التقوى بين العباد والبلاد:- {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:٩٦].

عباد الله: ما خلق الله أمةً وضيَّع أرزاقها، وما أوجد الله جيلاً ونسي أرزاقهم وأقواتهم؛ ولكن العباد يبغي بعضهم على بعض، ويسطو بعضهم على أرزاق بعض، ويُحرَم بعضُهم رزقَه بسبب بُعده عن التقوى، وبسبب معصيته وذنوبه: (وإن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه).

ومن تأمل كتاب الله وجد ما لا يُحصى من ثمار التقوى.