للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طريق الاستقامة والتوبة إلى الله تعالى]

السؤال

هناك شاب يقول: إنه يريد الاستقامة، ولكنه متردد فبماذا تنصحونه؟ والثاني شاب تائب يقول: كيف العود الحميد إلى الله؟ وهل التوبة تمحو عني ما مضى؟ وكيف أستقيم حقاً؟ والثالث يقول: إنني شاب مبتلى بالتدخين والعادة السرية فما هو الحل؟

الجواب

أخي الحبيب: الذي يقول: إنه متردد في الاستقامة، فنحن نسأله عن أسباب التردد، بعض الشباب يحب الأخيار ويدعو لهم، يبتسم في وجوههم، يستضيفهم في بيته، يقدم لهم أزكى طعام، ويهديهم أطيب سلام، يذب عن أعراضهم، يدافع عنهم، لا يرضى أن يسمع فيهم مسبة ولا قالة، لكنه لم ينضم معهم، ولم ينخرط في سلكهم، ولم يعمل داعية إلى الله كما يدعون؛ والسبب أوهام ووساوس قال الشيطان بها، وأذكر طرفاً منها: فمن ذلك أن أحدهم يقول: إنني إذا التزمت واستقمت أخاف أن أصبح غداً من هؤلاء الذين يفجرون، لأنه ما بينه وبين التفجير إلا أن يستقيم ويلتزم، كما حصل بعض الناس للأسف من التصور، بعضهم يوم أن أراد أن يستقيم ولده، قال له: عندك نية تطوع وفي الغد تأتي لنا برجال ينسفون أبها، أو عندك نية وعندك نية أصبح كل متدين معناه أن معه حزاماً ناسفاً، و (تي إن تي) و (سي فور) و (ريموت كنترول) تفجير ونسف، هذا ليس بصحيح، إذا كان هناك أربعة أو خمسة أو عشرة أو عشرون أو خمسون ضلوا الطريق، وسلكوا مسلك التكفير، ورضعوا أفكار الخوارج نقول هذا بقوة ولا كرامة، لابد أن نميز وإلا سيأتي يوم من الأيام يرمى الجميع بجرم أي واحد ضال منحرف، لكن إذا كنا صريحين صادقين في التفريق والتمييز والتمايز بين من يحسب على الدين الحق والالتزام الصحيح والمنهج الشرعي وطريقة أهل السنة والجماعة ومن ليس منهم، حتى ولو وفر لحية أو قصر ثوباً، وليس العيب في اللحى والثياب، حينئذ نكون صادقين وجادين ونعرف.

فأقول لهذا الذي يتردد: يا أخي الحبيب! نحن في هذه المملكة من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها لا تكاد تجد إلا نزراً يسيراً ممن تأثروا بمثل هذه الأفكار، تحت ظروف المراهقة وصغر السن والجهل وعدم العلم وعدم الاتصال بالعلماء وعدم الرجوع للعلماء، فلا تظن أن كل المتدينين هكذا، لا أحصي لك من مئات الآلاف من الشباب أو الملايين من الشباب المتدين يعفون لحاهم، ثيابهم على السنة، يسمعون الشريط الإسلامي النافع ويوزعونه، يقرءون الكتاب الإسلامي النافع ويلخصونه، يتحلقون على العلماء، يتزاحمون بالركب في دروسهم، أهل الصلاة والمساجد، أهل القيام والصيام والتهجد، أهل البر، وما علمنا عنهم إلا جداً واجتهاداً وعزماً وحزماً وحيوية ونشاطاً وبذلاً وخيراً، ونفع الله بهم الإسلام والمسلمين.

فالتردد من أجل أني لو أعفيت والتزمت واستقمت أني سأصير بهذه الصفة؛ هذا من خلط الشيطان ووسوسته، يقول أحد الشباب: إنه قابل شخصاً في المصعد فقال له: هل معك سيجارة؟ فقال له: يا أخي الكريم! مصعد وضيق، والتدخين يضرك، أتعرف أنه من الخبائث، وكذا، قال: يا رجل! أحسن من اللحية هذه التي فيها متفجرات! مباشرة قال له: تف، وتنفجر عليها ويذهب.

قال: خوفته بلحيتك وأعطيته حركة.

هل هذا عقل عندما يقول: أحسن من اللحية التي فيها متفجرات؟!! انظر إلى أي درجة نزغ الشيطان لسانه فقال بكلمة سخيفة خسيسة.

نحن -والحمد لله- عرفنا الشباب الطيب من أكثر من خمسة وعشرين سنة أو عشرين سنة وما سمعنا -أنا أحدثكم عمن لقيت وعرفت من الأساتذة والدعاة الأفاضل- ما سمعت -والله- يوماً ما من أحدهم كلمة تدعو إلى ضلالة أو غواية أو إفساد في المجتمع، بالعكس نسمع منهم الدعاء لولاة الأمور والتواصي به، نسمع منهم النصيحة للمسلمين عامة ولولاة الأمور أيضاً والتواصي بذلك، نسمع منهم العناية بالوالدين والاهتمام بهما، نسمع منهم العناية بإصلاح أوضاع المجتمع، نسمع منهم العناية بنفع المساكين والمحتاجين هذا معوق، وهذا مشلول، وهذا عنده علاج، وهذا يحتاج إلى مساعدة، وهذا عليه دية لا يجد من يجمع له، وهذا عليه دين يريد من يشفع له، وهكذا تعلمنا من الطيبين الذين نعلم أنهم منتشرون في أنحاء هذه البلاد.

فإذا نزغت نازغة أو خرجت خارجة محدودة في عشرات أو أقل من مائة أو شيء من هذا لا يحسبون على البقية، فينبغي أن نتبرأ من سلوكهم، ونحن لا نكفرهم، فإن علي بن أبي طالب لما سألوه عن الخوارج وقالوا له: [يا أمير المؤمنين! أكفارٌ هم؟ قال: لا، من الكفر فروا، لكن بغوا علينا] ومع ذلك قاتلهم وقتلهم وما كفرهم، فنحن نرضى ونسلم بالإجراءات الشرعية والرسمية التي أجرتها الدولة وصدرت من العلماء ومجالس القضاء محل ثقة، وما عندنا اهتزاز ثقة في ولاة الأمر من كبار العلماء والمسئولين إطلاقاً، ينبغي أن نسلم بالثقة، سيما مسئولية الأمن مسئولية خطيرة، ولولا الله ثم الأمن ما اجتمعنا هنا، لو أننا في حرب فهل نستطيع أن نجتمع في مراكز؟ كيف تدعو في ظل حرب؟ كيف تقوم بمشاريع دعوية أو خيرية أو صحية أو توعية أو اجتماعية، أو غيرها في ظل حرب إطلاقاً؟ فكل خير بعد فضل الله عز وجل في ظل الدين ثم الأمن، ونحن نحترم هذه المسئولية ونرى أنها مسئولية الجميع، سواءً في وزارة الداخلية، في المراكز الصيفية، في جميع الدوائر، في الجامعات، في المعاهد، في المدارس، في كل مجال ينبغي أن يكون عندنا حس أمني، ولله الحمد هذا موجود.

وقد يتردد هذا الشاب الذي يريد الاستقامة، ويقول: وإذا استقمت فأنا قد لا أستمر فنقول: يا أخي! وهل شرعت التوبة إلا من الزلل؟ وهل شرع الاستغفار إلا من الخطأ؟ تب إلى الله عز وجل، أقلع عن ذنوبك، أبعد ما عندك من آلات اللهو وصوره ومجلاته وأشرطته ووسائله، حطمها، كسرها، فإن وقعت بعد ذلك في زلة فأتبعها بالاستغفار {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:١١٤].

قد تقول: أنا متردد في الاستقامة، أخشى أني أغلط مرة ثانية.

نقول: استقم، وإن غلطت فتب، وإذا أخطأت فأحدث بعد الخطأ عملاً صالحاً يمح السيئة (وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن).

وقال أحدهم: إنني أريد أن أستقيم، لكن أهلي يمنعونني ويقولون: هؤلاء المطاوعة وراءهم أشياء وأشياء.

أنا أرى الشيخ الآن ماذا وراءه؟ فنيلة علاقي، لست أرى مسدساً ولا ميراجاً، ولا (ترنيدو) ولا (إف ٦٠) ولا (إف ١٦) إطلاقاً، ليس وراءه إلا فنيلة علاقي.

فالشاهد يا أخي الحبيب! ادفع عنك هذه الأوهام، وبعض الشباب فعلاً، حتى أضرب لك مثالاً على أن الشيطان يعرقلنا، يكبلنا، يقيدنا عن الدعوة والاستقامة، يقول بعض الشباب: أنا -أحياناً- أفكر وأقول: سأدعو إلى الله، وسأوزع أشرطة وكتباً، وأشترك في المركز، وسأفعل، يقول: ثم قليلاً قليلاً أحس أنه ينزل على رأسي جبل من الخوف وأحس أنني مراقب، وأن الناس يطالعونني، وأن حولي أناساً يراقبونني ويتابعونني! يا زعيم المافيا، هم لا يراقبونك، ماذا عندك يا أخي لكي يراقبوك أصلحك الله؟! تراقب لأنك تصلي مع الجماعات! تراقب لأنك تسابق المؤذن إلى المسجد! تراقب لأنك تشتري شريطاً مفسوحاً من وزارة الإعلام! تراقب لأنك تلخص كتاباً يباع في المكتبات وفي الشوارع! تراقب لماذا؟ ما هذه الأوهام الجنونية؟! أقول: ربما أنك تتردد لهذه الأسباب، أو تتردد أسفاً على شهوة، أو لا تريد أن تفارق شهوة، أقول: ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، اترك ما تشتهي لما يرضي الله عز وجل، ولن تكون أبلغ من مصعب بن عمير الذي كان فتى مدللاً غنياً ثرياً وسيماً ناعماً معطراً، فترك كل ذلك لوجه الله، فأكرمه الله بالشهادة في سبيله، وهو مع الأبرار والأخيار في جنات النعيم.