للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ماذا يريد العلمانيون]

الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى، واجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، اتقوا الله تعالى حق التقوى فلا يراكم ربكم حيث نهاكم، ولا يفقدكم حيث أمركم، اتقوا الله تعالى حق التقوى فارضوا بالقليل، واعملوا بالتنزيل، واستعدوا ليوم الرحيل، اتقوا الله تعالى حق التقوى، راقبوا الله في السر والعلن {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

معاشر المؤمنين إن أعداء الإسلام، إن المنافقين في مجتمعات المسلمين، إن العلمانيين الذين ينخرون في جسم السفينة، إن جرذان المجتمعات الغيورة التي لا تعمل إلا في الخبايا والزوايا وتحت الأنقاض وخلف الكواليس، أولئك يشرقون بريقهم يوم أن يروا عباد الله زرافات ووحدانا يسعدون بالالتزام والانقياد والاستجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فهم لا يريدون من الناس أن يشهدوا الجماعة في المساجد؛ لأن العلمانيين والمنافقين لا يشهدونها، إن أولئك لا يريدون من الناس أن يشغلوا سماعهم بالقرآن، وبالأحاديث النبوية، وبالخطب والمحاضرات، وبالفكر النير، والمبادئ الواضحة المستقيمة؛ لأنهم لا يسمعون إلا ساقط القول ورديء الكلام، إن العلمانيين لا يريدون الناس أن يتجافوا عن الذنوب والمعاصي لأنهم لا يتورعون في ولوغها والوقوع فيها، والتقلب في أوحالها ودنسها، وبالجملة فأولئك أعداء الأمة لا يريدون لأفراد الأمة صلاحاً، ولا يريدون لأفراد المجتمع فلاحاً، وإنما غاية سعادتهم ومنتهى آمالهم أن يفسق المجتمع كما فسقوا وأن يضل كما ضلوا، وأن ينحرف كما انحرفوا، فهل تكونون أُحبولة لهم يا معاشر السامعين؟! هل تكونون أُحبولة لأولئك الذين يرغبون أن تكونوا من الضالين كما ضلوا، ومن الفاسقين كما انحرفوا، ومن المجرمين كما سقطوا، والعياذ بالله؟! أيها الأحبة معلوم أن المجرم لا يرضى وحده أن يكون في سجن الجريمة، أو يتلقى العقوبة على انفراد، بل يتمنى أن يسقط مع الآخرين في الجريمة، وأن يلق العقوبة مع الجماعة في الجريمة، وأن يحصل لكل واحد ما حصل له، وهذا واضح جلي نقي.

ولكن -يا عباد الله- إن العلمانيين الذين يصدق فيهم قول الله جل وعلا: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:٣٢ - ٣٣] إن العلمانيين الذين يكرهون الحق لا يستطيعون أن يقولوا: انحرفوا أيها الناس، أو إلى الضلالة يا معاشر أفراد المجتمع، أو إلى الهاوية يا معاشر المسلمين، لا يستطيعون أن يخاطبونكم بصريح ما في نفوسهم وعقولهم وقلوبهم، ولكن ماذا؟ يبحثون ويدرسون حياتكم ويتأملون سلوككم، ويقدمون التقارير والدراسات ليسألوا: كيف اهتدى شباب المجتمع؟ وكيف استقام رجال الأمة؟ وكيف ترك الناس الضلالة إلى الهداية، والظلام إلى النور، والغواية إلى الهدى؟ كيف استقام الناس على أمر الله؟ فيبحثون ويتأملون فيجدون جملة من الوسائل، منها: منابر الجمعة التي بمن الله وفضله هي في كل أسبوع طعنة في صدور العلمانيين وفي قلوبهم.