للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فوات أفضل أوقات العبادة عليهم]

أما العبادة أين الذين: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:١٦] لأنهم يعملون بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها، نعم قد يزور الواحد شيئاً من الساعة تزيد أو تنقص قليلاً إجابة لدعوة، زيارةً لمريض، إعانةً لذي حاجة، قياماً بواجب، عملاً بأمر فيه مصلحة، لا بأس، أما أن يمر بعد العشاء ثلاث ساعات وأربع ساعات وخمس ساعات والواحد يجول الطرقات والأسواق والممرات والمجالس وغيرها حتى يأوي إلى بيت قعيدته الحسيرة الكسيرة، فإذا أقبل إليها وهي تنتظر وجهاً مشرقاً، أو جبيناً طلقاً، أو ابتسامة ولو متواضعة، أعرض ونأى بجانبه، وجعل وجهه إلى جدارٍ حتى يقول لها: لا تسألي أين كنت البارحة.

إن هذا بلاء وداء عضال ومرضٌ خبيث، إن كثيراً من الذين فشلوا في دراساتهم ليس بغباء في عقولهم، ولا بقصورٍ في إدراكهم، ولا بعجزٍ عن أن يبلغوا ما بلغه المعلمون من أترابهم وأمثالههم، ولكنه السهر أشغلهم بالليل فتثاقلوا عن طلب العلم في الصباح، فتعلموا على وسادة الغفلة، وعلى فرش اللهو، ثم إذا أصبح أحدهم تعلل بالمرض والتعب والألم وما إلى ذلك، فإذا جاء آخر العام تأوه وعض أصابع الندم:

ومن زرع البذور وما سقاها تأوه نادماً وقت الحصاد

وإن آخرين فصلوا من أعمالهم، وما كان ذاك بسبب قصورٍ أو ضعفٍ في العلم والإدراك، ولكنه السهر يجاملون بعضهم، تعال يا فلان! اجلس معنا، لا يضرك، ساعة، تعود بعد قليل، فيئوب إلى بيته متأخراً، وعن صلاة الفجر يقعد على فراشه، وفي صبيحة يومه يسلم جنبه لنومٍ عميق يترك فيه عمله، فيتكرر هذا التأخر وهذا الكسل، ويكذب في اليوم الأول بعذرٍ مفتعلٍ مفترى، ويكذب في الثاني، ويفتري في الثالث حتى تنتهي الكذبات وتنتهي الأعذار، ثم لا يلبث أن يسلم نفسه لاستسلام لقرارٍ خطير وهو فصله والسبب هو: السهر! لذا أيها الأحبة! وهذا الأمر قد يشترك فيه كثيرٌ من الناس حتى من الصالحين أو ممن يذكرون بصلاح، فإن البعض هداهم الله يسهرون سهراً ربما أفضى وأدى إلى ترك صلاة الفجر مع الجماعة، إن بعضهم لا يتركها قاصداً ولا مختاراً، ومعاذ الله أن يكون ذلك منه، ولكنه يجني طائعاً ومريداً مختاراً في هذا السهر، وإنك لا تجني من الشوك العنب، أتريد أن تسهر الليل كله في قيل وقال، وسمرٍ وحديثٍ لا ينتهي، ثم تسلم جنبك بعد تعبٍ من نهارٍ وليلٍ طويل إلى فراشٍ تريد بعده أن تستيقظ نشيطاً لصلاة الفجر؟! هيهات ما أبعد ما تكابد!!