للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاهتمام بأمور الدنيا أكثر من أمور الآخرة]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١].

معاشر المؤمنين: غداً أو بعد أيامٍ قليلة يستقبل أبناء هذه الأمة الكريمة ذكوراً وإناثاً على اختلاف مستوياتهم وتخصصاتهم العلمية والتعليمية وغيرها، يستقبلون موسماً يستدعي تحصيلاً مثمراً ليخوضوا غمار الامتحانات، وأمام هذا الموسم ينبغي أن نقف وقفة تأمل ونصيحةٍ لنا ولأبنائنا وبناتنا.

عباد الله: كل واحدٍ منا لا بد أن يكون له علاقةٌ بهذا الأمر المهم، فهو إما معلمٌ، أو متعلمٌ، أو أبٌ، أو أخٌ لهؤلاء الطلاب والطالبات وغير ذلك، والذي نريده لهؤلاء الدارسين والدارسات ومن له علاقةٌ بهم أن يذكرهم بإخلاص النية لله سبحانه وتعالى، وابتغاء الثواب الجزيل الذي أعده الله لطلبة العلم والعلماء في قوله جل وعلا: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:١١] وقول نبيه صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس به علماً، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) فما دام متعلماً ودارساً لا محالة، فليحسن القصد والنية ليفز بالتوفيق والأجر في الدنيا والآخرة، وليس إحسان النية وإخلاص القصد في ابتغاء الأجر والثواب، ليس ذلك مقصوراً على طلبة العلوم الشرعية بل هو مطلوبٌ -أيضاً- من المتعلمين أياً كانت تخصصاتهم الإنسانية والتقنية والعلمية وغيرها، ما دام في تلك الدراسة مصلحةٌ لهم ولأمتهم، فهم بذلك يقومون بتحصيل فروض الكفاية على الأمة مما قد تأثم الأمة بالإجماع والاتفاق على تركه.

أيها الأحبة في الله: إننا نلاحظ ونشاهد هذه الأيام جهد الآباء والأمهات والأولياء في التشجيع والمعونة وتيسير كافة أسباب الهدوء والراحة والدقة في ترتيب مواعيد الاستيقاظ والنوم والعناية الدقيقة بتوصيل الأبناء إلى المدارس في الوقت المحدد، وكل هذا جهدٌ مشكورٌ للآباء والأمهات، ودليلٌ صادقٌ على عمق المحبة والرعاية، وهنا نقف وقفةً لنسأل أسئلة ألا وهي: هل نرى هذه العناية بالأولاد والبنات في أمور العبادة والطاعة؟ وفي أمور الصلاة والسنن المؤكدة؟ تلك العناية التي نستطيع أن نحصل بها الوقاية من عذاب الله وناره بعد حصول رحمته وغفرانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:٦].

معاشر المؤمنين: إن الكثير من الآباء والأمهات يجزعون ويخافون على أبنائهم في أمور المستقبل، وهذه الأمور المستقبلية من أرزاق وأموالٍ وحظوظ الدنيا كلها مقسومةٌ مقدرة لن ينال العبد منها أكثر مما قسم له، ولن يستطيع أحدٌ من البشر مهما عز مكانه، أو علا سلطانه أن ينقص منها شيئاً، لكن الأمور التي ننال من وافر حظوظها وجزيل ثوابها بقدر الأعمال الصالحة والاجتهاد فيها، في تلك الأمور نحن في غفلةٍ عنها وعن حظ أبنائنا وبناتنا فيها.

عباد الله: ينبغي أن نلتفت لهذا الأمر، ويا سبحان الله!! كيف يجتهد الخلق في تحصيل ما قسم وقدر وضمن ويغفلون عن تحصيل ما لم يضمن من نيل الثواب والنجاة من العقاب.

وأنت أيها الطالب المجد! كيف تفسر اهتمامك الشديد بموسم الامتحانات، وغفلتك عن الأمانة العظيمة فيما أوجب الله عليك من فعل الصلاة المكتوبة مع الجماعة، واجتناب المحرمات والمنهيات علماً بأن الإخفاق والفشل في هذه الامتحانات -لا قدر الله ذلك- على الأبناء والأحباب يمكن تعويضه في امتحانات قادمة، وأدوارٍ قابلة، لكن الامتحان العظيم يوم التغابن ليس فيه فرصةٌ جديدة، أو دورٌ قادم، النتائج واحدة بعد عرض صحائف الأعمال وما كتب فيها من الحسنات والسيئات، فإما ناجحٌ آخذٌ كتابه بيمينه سائرٌ إلى الجنة، وإما هالكٌ آخذٌ كتابه بشماله مطروحٌ في النار.

فانتبهوا يا عباد الله! وتنبهوا يا شباب الإسلام! واجعلوا من هذه الامتحانات موعظةً وذكرى لعلكم تفلحون في الدنيا والآخرة.

وأنتم معاشر الشباب الذين على أبواب التخرج أو استقبال الأعمال الوظيفية تذكروا أن الشهادات على اختلاف درجاتها إنما هي تأهيل علمي ليؤتمن الفرد بها على أعمال أمته ومقدراتها وخدمة أبنائها، وتذكروا أن الشهادة مهما علت درجتها فإنها ليست هي العلم كله، بل هي بابٌ إلى العلم ومفتاحٌ إلى المعرفة، فاحرصوا على مواصلة الاطلاع وطلب العلم، ولا تقطعوا ذلك عند حد استلام الشهادات والوثائق.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.