للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثلاثة حق على الله عونهم]

لقد حث الإسلام على الزواج، وقول الله عظيم بليغ: ((وَأَنْكِحُوا)) أي: زوجوا: ((الْأَيَامَى)) الأيامى جمع أيم، والأيم من لا زوج له ذكراً كان أو أنثى {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور:٣٢].

قال عمر رضي الله عنه: [عجبت لمن يبتغي الغنى لا يتزوج]، إن أناساً يشكون الفقر والفاقة والمسكنة، وربما عندهم شيءٌ يسيرٌ لو اجتمعوا واقترضوا لجمعوا ما يحقق لهم الزواج، فلمثل أولئك نقول ما قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ورضي عنه، قال: [أرى لمن أراد الزواج أن يستدين -أي: إن كان عاجزاً- ويؤدي الله عنه]، كيف لا يؤدي الله عنه؟ كيف لا يوفي الله عنه؟ وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثةٌ حقٌ على الله عونهم).

لو قلنا لك أيها الشاب الذي تتقلب على فراش السهر، تعيش الأرق وتتمنى الزوجة تزوج واقترض وتسلف من هنا ومن هنا، لقلت: من يؤدي عني؟ من يعينني؟ من يضمن سداد ديني؟ فلو قلنا لك: إن الأمير سوف يعينك؛ لأقدمت على الزواج بلا تردد، ولو قلنا: إن الثري الغني الفلاني سيعينك؛ لأقدمت على الزواج بلا تردد، ولو قلنا: إن فلاناً من المعروفين بالثراء سيعينك؛ لأقدمت على الزواج بلا تردد، فإنا نبشرك ونقول: إن الله معينك قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثةٌ حقٌ على الله عونهم: الناكح يريد العفاف) الناكح يقصد العفاف، الناكح يقصد غض بصره، المتزوج يريد إحصان فرجه، هذا حقٌ على الله أن يعينه، أما الناكح يريد التذوق وتنويع اللذات أما الناكح يريد العبث والإسراف أما الناكح تقليداً أو مباهاةً فلعله لا ينال من هذا شيئاً (الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء) والمكاتب هو العبد الذي اشترى نفسه من سيده على نجوم منجمة، على أقساطٍ يدفعها دورية حتى يتم عتقه ووفاء كامل قيمته والثالث: (والمجاهد في سبيل الله).

إننا نقول للشباب: أقدموا على الزواج ولا تترددوا، ودعوكم من أولئك الذين قد أدخلوا في أذهان بعضكم أو أذهان غيركم أن الزواج لا بد أن يؤمن له بيتاً أو فلة وسيارة ووظيفة، ولا بد من دخل ومرتب من الذي يرزقه؟ أوظيفةٌ هي التي ترزقك؟ أسيارة هي التي ترزقك؟ أشهادة هي التي ترزقك؟ إن لم تقطع بأن الرازق هو الله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:٥٨] فإنما عند الناس منقطعٌ مكدرٌ بالمنِّ والأذى، فمن تعلق بحال الناس تعلق بنقصٍ وضعف ومنقصة.

فيا أخا الإسلام يا شباب الإسلام أقبلوا على الزواج ولا تترددوا لتلك الأفكار والشبهات والأباطيل والأقاويل التي نُثرت وسُلطت علينا حرب شعواء، وأُرسلت إلينا سموم وسهام صارخة، سواء في آدابنا أو أخلاقنا، عبر تلك التمثيليات، وعبر تلك المسلسلات التي أقنعت الشباب أن لا زواج إلا بعد الحب لا زواج إلا بعد العلاقات لا زواج إلا بعد الانسجام الطويل والتعارف المتبادل، وتوافق الآراء والأذواق، وتوافق في الألوان والأمزجة، كل ذلك مما استورده مجتمع المسلمين من الغربيين، أو مما صدَّره الغربيون إلى المسلمين.

أقبل، وكم من رجل تزوج فتاة لدينها -وسيأتي الحديث عن هذا- فكان بينهما من السعادة أضعاف أضعاف ما اختلقه ونسجه الواهمون والكاذبون من تلك السعادة التي سرعان ما تضمحل بدعوى حصولها بعد علاقاتٍ طويلة قبل الزواج، فالإسلام حث على هذا، فلا تترددوا، ولا تنكصوا، ولا ترجعوا القهقرى، اجمعوا ما في أيديكم من المال وتسببوا وابذلوا الأسباب، من هنا دين، ومن هنا قرض حسن، ومن هنا معونة، ومن هنا مساعدة، حتى تجمع من المال ما يكون سبباً في إعانتك على الزواج، ثم أقدم على بركة الله.