للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الترغيب في البحث عن زوجة ذات دين]

المسألة الثانية: إذا يسر الله لك، وقررت وقطعت العزم على الزواج، فلا تضرب كل بابِ.

أكل امرئٍ تحسبين امرأً ونارٍ توقد بالليل نارا

أتظن كل ذات خدرٍ تصلح لك؟ لا.

(الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة) إن حافلات المدارس تنقل في الصباح مئات الآلاف من البنات، ولكن الذي يرغب في الزواج يبحث مراتٍ ومراتٍ وعشرات وكرات ولا يجد من تناسبه، إن كان لا يجد من تناسبه في دينٍ وعفةٍ وحشمةٍ فذلك أمر ينبغي أن يتثبت، وأن يزيد البحث حتى يجد المناسبة والموافقة بإذن الله.

أما أولئك الذين لا يجدون من هذه الحافلات والناقلات ما يناسبهم؛ لأنه رأى ممثلةً فرسم في مخيلته أن تكون عروسه مثل هذه الممثلة في نعومة شعرها، وخدها الأسيل، وجسمها الطويل، وجيدها وحركاتها وسكناتها، فإن ذلك قصدٌ وابتعادٌ إلى غير ما شرع الله جل وعلا.

إنما شرع الله لك الزواج لإعفاف نفسك، أنت لم تتزوج لتكون الزوجة راقصة، أو لتكون الزوجة عارضة أزياء، أو لكي تباهي بزوجتك الغادين والرائحين في حفلات الأعراس، وإنما تزوجت لك أنت وليس لغيرك، فاعلم هذا ابتداءً وأولاً.

إن بعض الشباب في بحثه يشترط أن تكون جميلة، بغض النظر عن دينها واستقامتها وتاريخها أبداً، وهذا ضلالٌ بعيد، قال جل وعلا: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة:٢٢١] لو أعجبتكم المشركة بجمالها، لو أعجبتكم بصفاتها، لو أعجبتكم بما فيها من المواصفات فإن أمَةً قينة تباع وتشرى لكنها مؤمنة خيرٌ من مشركة، وهذا شيء واضح، فذرةٌ من الحلال تعدل أو تميل وترجح بملء الدنيا من الحرام، فاعلموا هذا علماً يقيناً.

إذاً: الاختيار لابد أن يكون لذات الدين إن الدين -أيها الأحبة- يحقق كل شيءٍ بإذن الله، أما المواصفات الأخرى التي أغرق الشباب في البحث عنها نحن لا نقول للشباب: ابحثوا عن قبيحةٍ أو مشوهة أو إلى غير ذلك، وإن الإسلام حث على هذا.

لا والله، وإنما نقول: لا تجعلوا الجمال مقصداً أولاً وآخراً في ابتغاء النكاح، ولأجل ذلك ترى عدداً من الشباب يقدرون على الزواج ولكن قد وضع في مخيلته تلك الصورة فما وجدها، ولن يجدها، ولست أدري هل يموت متزوجاً أو يموت أيماً أعزباً!! قال صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولدينها، ولحسبها ونسبها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) ما ينفعك جمال جميلةٍ إذا التفتت ظننت بها السوء، وشككت في التفاتتها ما ينفعك جمال جميلة إذا اتصلت على بيتك ظننت بها السوء في طول مكالمة الهاتف ما ينفعك جمال جميلة وأنت لا تأمنها إذا خرجت يميناً أو يساراً مع قريباتها أو في بعض المناسبات، إن هذا الجمال يعود حسرةً على صاحبه، ولذلك جاء في الأثر: (إياكم وخضراء الدمن، قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء) وجاء أيضاً: (لا تنكحوا النساء لجمالهن؛ فعسى جمالهن أن يرديهن أو يطغيهن، ولا تنكحوهن لأموالهن؛ فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة مؤمنة ذات دين أفضل).

التعرف أمر مطلوب، والله ما يضيرك لو نقصت مواصفات الجمال درجات، لكن اكتملت مواصفات الدين العفة، الحياء، الحشمة، غض البصر، عدم الخضوع بالقول، عدم الجرأة على الرجال، عدم الإقدام على المحرمات، كل هذه الصفات الواحدة منها تعدل مئات المقاييس من الجمال.

فيا شباب الإسلام أقبلوا على الزواج، واجعلوا الدين هدفاً، ومن جعل الدين غايته يسر الله له كل غايةٍ بعدها (من أصبح وهمه الآخرة تكفل الله برزقه، وأتته الدنيا راغمة، وجمع الله له ضيعته).