للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على دعوى تقسيم الشريعة إلى قشور ولباب]

أيها الأحبة في الله: لا يخفاكم أن مدعي تلك الدعوى لا حجة له، بل هو المحجوج بقوله وما يردده؛ لأن مقتضى الإيمان والتصديق العمل والتطبيق، وثمار التقوى التي هي في القلوب أن يبدو العمل ظاهراً بالمأمور وأن يترك المحظور، والدين كلٌ لا يتجزأ، وليس فيه قشور ولباب، ويوم أن نصغي لنداء الله جل وعلا في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:٢٠٨] يوم أن نصغي لهذا النداء نعلم حقيقة هذا النداء الرباني الرحيم بالعباد، ونتيقن وجوب العمل بجميع أوامر الشارع ما أمكن إلى ذلك سبيلاً.

يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند هذه الآية: هذا أمرٌ من الله تعالى لعباده المؤمنين به، المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام، وأن يعملوا بجميع أوامره، وأن يتركوا جميع زواجره، ومعنى قوله تعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:٢٠٨] أي: ادخلوا في الإسلام جميعاً، كما قال ابن عباس وقال مجاهد: أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر.

ودعوى أولئك الغافلين بقولهم: إن الدين والإيمان في القلب، لو سلَّمنا بها على إطلاقها؛ لجعلنا فرعون وهامان وأبا لهب وغيرهم من الطواغيت في عداد الصالحين؛ لأنهم يؤمنون بالله، ويوقنون بوجوده وتصرفه في الكون، ولكنهم ضلوا وأضلوا يوم أن تكبروا وتجافوا عن عبادة الله والانقياد له، وابتعدوا عن العبودية له في الصغير والكبير من الأعمال.

إذاً فلا يكفي في دعوى الإيمان أن يدعيه الإنسان دعوى من دون تطبيق أو برهانٍ صادق على دعواه، ثم إن الحس والملاحظة يشهدان بالارتباط الوثيق بين الظاهر والباطن، فمن صلحت سريرته؛ استقامت علانيته، ومن ساءت وحادت عن جادة الصواب علانيته؛ كان ذلك دليلاً على فساد باطنه، وهذا أمرٌ تعرض له شيخ الإسلام ابن تيمية في عددٍ من كتبه حول كلامه عن هذا الموضوع، وتكلم فيه أيضاً في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم حيث بيَّن بقوله رحمه الله: والأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة، فما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال؛ يوجب في القلب شعوراً وأحوالاً، فالمشاركة في الهدي الظاهر؛ تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين، يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمرٌ محسوس.

أسأل الله جل وعلا أن يجنبنا وإياكم التساهل بأمور الدين وأحكام الشريعة، وأن يجعلنا من المتمسكين الذين يمسكون بالكتاب، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.