للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة لقمان وما فيها من العبر للأسرة المسلمة]

ومن تأمل سورة لقمان وما فيها من الوصايا التي أوصى لقمان بها ولده ووعظه بها، وجده نموذجاً رائعاً وصورةً مشرقة، وصورة موعظة الأب لولده، واحتسابه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واسمع إلى قول الله عز وجل في سورة لقمان: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣] ثم قال بعد آياتٍ: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:١٦ - ١٩] أمرٌ ونهيٌ واحتسابٌ، وموعظةٌ بليغة، وإرشادٌ جميل في باب العقيدة، في الأمر بالتوحيد، في النهي عن الشرك، ثم تذكيرٌ بمراقبة الله عز وجل، وعلم الله سبحانه وتعالى على أن هذا الولد عليه من الله رقيبٌ شهيدٌ مطلعٌ حسيب عليه في كل حركاته وفي كل سكناته وفي كل أحواله: {إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} [لقمان:١٦] والمعنى: يا بني! لا تظن أن الصغيرة يغفل الله عنها، وإن كانت خردلة في صخرة أو في السماء أو في الأرض، فإن الله يأتي بها ناهيك عن فعلٍ تفعله، والله عز وجل مطلعٌ على ما تفعل.

ثم أمرٌ بالوصية العظيمة التي أمرنا بها، بل وذكرنا فيها في حال موت نبينا صلى الله عليه وسلم يذكرنا بها: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ} [لقمان:١٧].

ثم وهو يأمر ولده أن يأمر بالمعروف: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:١٧] إذ الآمر لا بد أن يصيبه ما يصيبه من حال الناس، إما من يستطيل في عرضه، وإما من أحدٍ يرده أو يكذبه، وإما من شامتٍ أو حاسدٍ أو حاقدٍ أو عدوٍ، وربما تسلط على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر باليد، ومع ذلك فإن من احتسب بهذا الأمر المهم العظيم الذي كرامة فاعله عند الله بالجنة عالية، فإنه لا بد أن يوطن نفسه للصبر على ما يفعل.

ثم توجيهٌ في مسألة السلوك: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان:١٨] لا تنظر إلى الناس باحتقار، لا تنظر إلى الناس بتصغير، لا تتكبر عليهم: {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان:١٨ - ١٩] إياك والرعونة! لا ترفع من صوتك من غير حاجة، كل ذلك من الآداب الجميلة والرائعة، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في محيط الأسرة الذي يتمثل من وصايا لقمان لابنه.