للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صراحة الاعتراف طريق للتوبة]

من المصائب العظيمة أيها الإخوة أن يعرف كل واحد منا حقيقة ما في نفسه من الذنوب، والله لو سأل كل واحد من الحاضرين نفسه: أي ذنب تستحي أن تلقى الله به؟ لقلت وأجبت نفسك الآن: إنه الذنب الذي فعلته يوم كذا، في ساعة كذا، في مكان كذا، يوم أخذت مالاً، أو انتهكت عرضاً، أو فعلت فعلة {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:١٤] أنت والله أدرى بنفسك، أنت والله أعلم بنفسك، القلب يا مغرور أعلم بدائه، كل منا يعلم ما هو الذنب الخطير الكبير الذي فعله ويخشى أن يفضح يوم القيامة ويرجو من الله ستره.

نعم أيها الأحبة! الحديث مع القلوب بالصراحة هو سبيل إلى التوبة، أما أن نتزين بالمظاهر والملابس، والله أعلم ببواطننا، فإننا سنقف يوم العرض الأكبر على الله يومئذٍ لا تخفى على الله خافية، لا يمكن أن نخبئ شيئاً عن الله، ولا يمكن أن نجعل جريمة تبقى في طي الكتمان والنسيان، كيف نستطيع أن نكتم شيئاً والله جل وعلا يقول: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:٤٧].

تأمل نفسك يا أخي وأتأمل نفسي أيضاً! يوم ينصب الميزان ويدعى عبد من عباد الله باسمه واسم أمه وأبيه، ولو دعي باسمه لعرف أنه المقصود المراد لم يحتج إلى بينة أو قرينة لا تتشابه الأسماء ولا الأنساب، ولا الصفات ولا اللغات، كل يكون أدرى بالخطاب يوم أن يوجه النداء، فإذا قيل: يا فلان بن فلان! قم يوم الحساب إلى الحساب ومناقشة الأعمال أمام العرض الأكبر عند الله جل وعلا، فيوضع الميزان وأنت حينئذٍ يدور بك شريط ذكرياتك، ما أول سيئة توضع في كفة السيئات؟ وتبحث أيمن منك وأشأم منك أي حسنة تظن أن فعلتها خالصة نقية على سنة واتباع وإخلاص ترجو أن توضع في موازين حسناتك، سنقف هذا الموقف وكل سيكون أدرى بما سيوضع في ميزان حسناته وسيئاته.

ثم يسدل الله ستره على عبده وهو الستار الحليم الغفور الرحيم، يقول: يا عبدي! أتذكر ذنب كذا، الذنب قد وضع في الميزان، المعصية الفاحشة الجريمة الخطيئة الزلة قد وضعت في الميزان، عبدي! أتذكر ذنب كذا في يوم كذا وكذا، فتقول: إي يا رب والله -تكذب على الله، تقول: ما فعلتها يا رب، أنت لستَ أمام البشر الذين تنطلي عليهم الحيل، لا والله، لا تستطيع أن تكذب أو تزيد أو تنقص- تقول: نعم إي والله يا رب أذكرها ولا أنساها، ولو كذبت على الله الذي لا تخفى عليه خافية لأنطق الجارحة التي فعلت المعصية، فإن كانت المعصية بقدمك تكلمت رجلك، وإن كانت المعصية بيدك تكلمت اليدان، وإن كانت المعصية بفرجك تكلم الفرج، وإن كانت المعصية ببصرك تكلم البصر، وإن كانت المعصية بسمعك تكلم السمع.