للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عظمة الله تعالى]

الحمد لله القائل في محكم كتابه: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:١١]، والقائل في محكم كتابه: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} [القيامة:٣٦] أحمده على آلائه، وأشكره على نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أيها الأحبة في الله: والله إني لأستحي أن أحدثكم وأنا جالس أو قاعد، وإكراماً لوجوهكم وإفادة بكوامن الشعور والإخاء والمودة بيني وبينكم، لا أرضى لكم ولا أرضى لمقامكم من نفسي إلا أن أقف بينكم، وأسأل الله جل وعلا، أن يجعل مقامي ومقامكم هذا في خالص أعمالنا يوم نلقى الله يوم القيامة.

أيها الأحبة: إن مما يطعن قلوب اليهود والنصارى، ومما يُبطل مخططات أعداء الإسلام، ويفسد مؤامرات أهل الكيد والتخطيط والتدبير في شباب الجزيرة مثل هذا الاجتماع، إن اجتماعكم هذا -أيها الشباب- لأعظم طعنة وأعظم بصقة في وجه أولئك الذين أصبحوا يراهنون عليكم، ووالله ثم والله، لقد تحدث الأعداء عنكم وقالوا: كفيتم شأن هؤلاء الشباب، أشغلناهم بالأفلام، وبالمعاكسات، والمجلات، والتفحيط والمخدرات، والشذوذ والعلاقات الشاذة، والأمور الخبيثة إلى غير ذلك من كل جديد يبتكرونه وينتجونه لصدكم عن صراط الله المستقيم.

أما وقد عادت شوارعنا مجالس ذكر، وعادت مساجدنا رياض جنة، وعاد شبابنا دعاة إلى التوحيد وإلى الاستقامة والصلاح، فهذا والله موطن يغيض الكفار، هذا موطن يغيض أعداءكم وأعداء أمتكم، وأعداء بلادكم، وأعداء المسلمين في كل مكان.

يا شباب الإسلام! يا شباب العقيدة! أتظنون أن الله جل وعلا خلق الواحد منكم في أحسن تقويم: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:٤]؟ يا شباب الإسلام! أتظنون أن الله كرمكم، وفضلكم وجعل لكم منزلة فوق سائر المخلوقات: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:٧٠]؟ يا شباب الإسلام! أتظنون أن الله أسجد الملائكة لأبيكم آدم: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا} [البقرة:٣٤]؟ الملائكة خلق عظيم شديد، كلهم ما بين راكع وساجد، ومسبح ومكبر ومؤتمر بأمر الله: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦] الملائكة يسجدون لأبيكم، أليس هذا دليل تكريم لكم؟ أليس هذا دليل منزلة لكم؟ أليس هذا بيان مرتبة لكم؟ بلى والله، ولكن كثيراً من شبابنا وأبنائنا يدعون إلى مائدة القرآن ليكرموا، فيختارون موائد السفالة والرذيلة.

إن بعض شبابنا يدعون إلى رحمة الله لينجوا فيختارون المعصية والهلكة.

إن كثيراً من شبابنا، يدعون إلى العز والكرامة، فيختارون الذلة والهوان.

إن كثيراً من شبابنا يدعون إلى مرضاة الله، ويدعون إلى حِلقٍ تغشاها السكينة، وتتنزل فيها الرحمة، وتحفها الملائكة، ويذكر الله الجالسين فيها فيمن عنده، فيختارون مجالس لا يفتح فيها إلا صفحات السيئات، ولا يكتب فيها إلا ملائكة السيئات، يجلسون في سيئة، ويأكلون على سيئة، ويشربون على سيئة، ويتحدثون في سيئة، ويقيمون عن خطيئة وربما انتهت بسوء الخاتمة والعياذ بالله.

أيها الشباب! إن واقعنا في هذا اليوم يحتم علينا أياً كان الواحد منا، أستاذاً أو تلميذاً، مدرساً أو معلماً، موظفاً أو بناء، أو أياً كانت وظيفته، أو أياً كان عمله، إن واقعنا وواجب ديننا علينا أن يشعر الواحد منا أنه مربوب لله معبود لله، تذكر أنك عبد لله قبل كل شيء، وتذكر أنك مخلوق صغير جداً بالنسبة لخلق الله جل وعلا.

فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد

كيف يجرؤ ابن آدم على معصية الله وهو خلق صغير جداً جداً أمام عظمة الله جل وعلا، ما تظنون في هذه المدينة العظيمة؟ فسيحة جداً، وما تظنون في المدن الأخرى؟ أكبر منها، ما تظنون في دول العالم؟ كبيرة جداً جداً، ما ظنكم بعرش الله جل وعلا؟ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥].

استوى ربنا على عرشه، استواءً يليق بجلال وجهه، وعظيم سلطانه، وعرش الله أكبر من هذه الأرضين جمعياً، بل أكبر من السماوات جميعاً، إذا كان هذا عرش الله، فما بالكم بربكم؟ {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:١٠٣].

أيها الشباب! قبل أن ندخل في تفاصيل الحديث، اعرفوا من أنتم؟ واعرفوا من هو ربكم؟ أمَّا نحن فخلق ضعيف {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} [النساء:٢٨] أما نحن فخلق عجول: {وَكَانَ الْأِنْسَانُ عَجُولاً} [الإسراء:١١].

أما نحن فخلق هلوع جزوع منوع: {إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} [المعارج:١٩ - ٢١].

أما نحن فخلق ضعيف، إذا أصابنا ألم انكسرنا ونقول: يا الله، يا الله، يا الله، فإذا عوفينا وعادت العافية إلى أبداننا، ودبت الدماء في عروقنا، بدأنا نقول: دعنا من كلام الله، دعنا من كلام رسول الله، آخر أغنية ما هي؟ آخر مسرحية ما هي؟ آخر شريط ما هو؟ يوم أن كنا في بلاء المرض والألم، كان الواحد يصيح: يا الله، ولما سرت الحياة في عروقه، وانتفض الدم في جوفه، أصبح يلتفت يمنة ويسرة فيسمع الأذان ولا يجيب، ويرى جلسة اللهو والطرب فيستجيب، يسمع نداء (حي على الصلاة، حي على الفلاح) فلا يهب ولا يتحرك، ويسمع جلسةً فيها عزف أو وتر أو طرب فيتحرك، ولا أقول: إن من حضر جلسة طرب قد انقطع الأمل فيه، لا والله فيه من الإيمان خير، فيه من الإسلام بقية، ولكن كيف غلبه الشيطان! أيها الأحبة: يقول الله جل وعلا: {وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:١٢].

وأنا أعطيكم أكبر دليل على هذا، أنتم ترون شاباً ربما أتى إلى الإسعاف في ليلة من الليالي على أثر مرض، أو صداع أو شيء يؤلمه، ثم بعد ذلك يؤتى به في حالة إسعافية، وماذا بعد ذلك؟ يؤتى إليه بالعربية، أو بالسرير الذي أعد للإسعاف، فيوضع على هذا السرير، وهو يقول: آه، آه، آه، يصيح من المرض، يتألم، والممرضات في طريقه ولا يلتفت إليهن، والزائرات في طريقه ولا يراهن، والحسناوات مقبلات مدبرات ولا ينظر إليهن، فإذا دخل المستشفى ووضع المغذي في عروقه، واعتني بصحته، ودبت إليه العافية، إذا جاءت الممرضة تعطيه علاجاً أخذ ينظر إليها بطرفٍ خفي، نعم لما دخل المستشفى في تلك الليلة، وهو يصيح: آه آه من المرض والألم لم يكن يلتفت لحسناء ولا ممرضة ولا مقبلة ولا مدبرة، ولكن لما دبت العافية في عروقه، وسال الدم دفاقاً قوياً في شرايينه، أصبح لا يرى مقبلة إلا أحرقها ببصره، ولا يرى مدبرة إلا نفذها ببصره، ولا يسمع شيئاً إلا أرهف الحس لنغمه وطربه، ألست أنت وأنا ذلك المسكين؟! {وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ} [يونس:١٢] لما كان في الإسعاف {أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:١٢].