للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحث على الدعوة إلى دين الله]

أيها الشباب: إن المرجو فيكم والمرجو منكم، والمؤمل فيكم، فوق ما أنتم عليه، وإن العالم الإسلامي، والكرة الأرضية أبصارها تتجه إليكم.

يا شباب الجزيرة! إن العالم الإسلامي ودول العالم تعلم يقيناً: إن كان هناك إسلام فالإسلام في بلادكم، وإن كان هناك بلاد اسمها بلادكم فهي بلاد الإسلام، فإذا جاء الوافدون، أو سافر أبناؤنا إلى الخارج، ورأينا من أبنائنا أول ما يسأل أين ( Night Club) أين النادي الليلي، أين المرقص؟ أين مكان كذا وكذا؟ أين السينما؟ أين هذه الملهاة؟ أين مكان الأهازيج؟ إذا علم أولئك أن هؤلاء هم أبناء هذه البلاد، قالوا: أي أمل نعقده فيكم؟! أي أمل نعقده في بلادكم؟! خذوا مني وإن كنت أود لا أتكلم بهذا قبل أوانه، كنا في زيارة لـ كمبوديا، وكمبوديا دولة كانت شيوعية، قتل فيها من المسلمين سبعمائة ألف مسلم، ذبحوا ذبح النعاج.

والله لقد رأينا مكاناً كبيراً من جماجم المسلمين، تصوروا -نسأل الله ألا يقدر عليكم شراً أو مكروهاً- لو أن سيفاً جاء وقطع هذه الرقاب جميعاً، وجمع الجماجم ماذا تتصور أن تجد؟ جبلاً من الجماجم، والله لقد رأينا جماجم المسلمين، صنع منها خريطة على الطبيعة، خريطة كبيرة على حائط طويل عريض يقال: هذه خريطة هذه البلاد وهي من جماجم المسلمين، أي: أن الأمر لم يستمر ولم يستقر إلا على رقاب المسلمين.

أيها الشباب! أيها الإخوة! أهذه جماجم إخواننا، وتلك جلسات لهونا وطربنا؟! أهذه جماجم أمهاتنا وبناتنا وفلذات أكبادنا وأطفالنا وأولادنا؟ أهذه جماجمهم وتلك محلات لهونا وطربنا؟! لا والله يا شباب الإسلام.

العالم ينتظر منكم أن تقدموا شيئاً، كم عدد الشباب الذين سافروا إلى مانلا؟ كم عدد الشباب الذين سافروا إلى بانكوك؟ كم عدد الشباب الذين سافروا إلى كازا بلانكا؟ كم عدد الشباب الذين سافروا إلى جاكرتا؟ كم عدد الشباب الذين سافروا إلى بلاد العهر والدعارة والفساد، أو سافروا إلى بلاد وكان قصدهم الدعارة والعهر والفساد؟! كم أنفق الواحد في تذكرته ذهاباً وإياباً؟! كم أنفق في الفندق والهوتيل ذهاباً وجلوساً وإقامته؟! كم أنفق على طعامه وشرابه؟ في كمبوديا رأينا واحداً من كبار المسلمين، يسكن في بيته عدد من أيتام المسلمين ويعمل من الصباح إلى الظهر ومن قبل العصر إلى العشاء وراتبه ستة عشر دولاراً.

يا شباب! ستة عشر دولاراً اضرب ستة عشر في ثلاثة فاصل خمسة وسبعين، تقريباً ستين ريالاً، أي: هذه الآلاف التي صرفها بعض أحبابنا وبعض شبابنا -نسأل الله أن يمن عليهم بالهداية- كان بوسعها أن تحمي المسلمين، وأن تجعل لهم دوراً بدلاً من الفيضانات التي تجتاحهم، تلك الآلاف التي ينفقها بعض الشباب في اللهو والدعارة والطرب وغير ذلك، كان بإمكانك أن تشتري بها قارباً صغيراً لخمس أسر من المسلمين يعيشون على النهر ويصطادون من السمك ويأكلون من رزق الله.

حياة الفقراء، حياة المساكين، واقع المسلمين هناك شيء، وواقع شبابنا شيء آخر، تايلاند، بانكوك، كم بينها وبين بنوم بنه عاصمة كمبوديا؟ ما بينهما إلا ساعتين فقط، وربما تجد في بعض البلدان مسلماً لا يزال متمسكاً بالإسلام، لكنه لا يعرف أحداً يعلمه الإسلام، يقول: أنا مسلم، يدعى إلى الكنيسة فيأبى أن يدخل، ويدعى إلى معبد البوذيين فيأبى أن يدخل، ويدعى إلى المسجد فيأتي، وربما يتمنى أن يقام في بلده مسجد، وربما لا يزال يحافظ على هويته الإسلامية، ولا يعرف من الإسلام إلا أنه لا يأكل لحم الخنزير، ويريد من يعلمه الوضوء، ويريد من يعلمه الصلاة، ومن يعلمه الفاتحة، وإذا علموا أن مسلماً جاء إلى بلادهم تدافعوا إليه زرافاتٍ ووحدانا، وجلسوا حوله كالنحل حول الملكة، جلسوا حوله كالسوار على المعصم، والمشكلة أنه يأتي بجوارك لا يعرف لغتك وأنت لا تعرف لغته، أتدرون من الذي استطاع أن يترجم لنا؟ مسلم هناك، كيف نجا من القتل؟ لما بدأ حاكم تلك البلاد بحملات المذابح في المسلمين، قام ذلك المسلم الذي يجيد اللغة العربية وأزال كوفيته وأزال كثيراً من ملابسه، وجعل الطين على رأسه وجسمه، والروائح الخبيثة على بدنه وأخذ يمشي ويركض ويصرخ في الشوارع، يدعي أنه مجنون، لعله أن يسلم من القتل، وفعلاً سلم ذلك المسلم ووجدنا مسلماً يترجم لنا، ويترجم حديثنا مع هؤلاء.

فيا أحبابنا الشباب! الذين سافروا إلى الفلبين، والذين سافروا إلى تايلاند، هل كانوا لا يعرفون الوضوء؟ بلى والله يعرفون الوضوء، هل كانوا لا يعرفون الصلاة؟ بلى يعرفون الصلاة، هل كانوا لا يعرفون القرآن؟ بلى يعرفون القرآن، فشبابنا لو تقدموا ساعتين وبدلاً من الجلوس في أحضان العاهرات والفاجرات، امتدوا خطوات لكي يعلموا القرآن الكريم، ولكي يعلموا الفاتحة والوضوء والصلاة، لكي يعلموا أركان الإسلام، لكي يعلموا توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، لكانوا على ذلك من القادرين.

والله إن الشاب الذي أمضى جزءاً من حياته في فسادٍ وانحرافٍ ودعارةٍ يستطيع أن يكون داعية على الأقل إلى تعليم الوضوء والصلاة والفاتحة، وأجره أعظم من أجورنا هنا جميعاً.

يا إخوان! العالم ينتظر منكم شيئاً عظيماً في أولان باتور عاصمة منغوليا خمسة عشر ألف مسلم لا يوجد فيهم من يحسن الفاتحة، ومسلمون يدعون إلى الشيوعية فيرفضون، ويدعون إلى النصرانية فيرفضون، ويدعون إلى البوذية فيرفضون من أنتم؟ مسلمون، ينتظرون مسلماً يأتي إليهم، فما بالكم إذا وطئت قدم شاب مسلم أرضاً قريباً من أرضهم، فقيل: هذا مسلم فلحقوه يتبعونه، فإذا تبعوه وجدوه آخر الطريق يسهر في مرقص، فإذا تبعوه وجدوه آخر الطريق في مكان دعارة، فإذا تبعوه، وجدوه في آخر المسار في ملهاة ومعصية وأمر لا يرضي الله جل وعلا.

أيها الشباب! إن أمة الإسلام تنتظر منكم شيئاً عظيماً، وإن ما نراه من شبابنا اليوم من إقبالٍ على الله جل وعلا وصحوة عمت صغيرهم وكبيرهم، وعمت ذكرهم وأنثاهم وفتاهم وفتاتهم، هذه لابد أن يكون لها ثمرة، وثمرتها فيكم وفي جهودكم.

إن من أهم واجباتنا ومن أهم أمورنا -يا شبابنا- أن ننظف مجتمعنا من الرذيلة، وأن ننظف مجتمعنا من الانحراف، ليس غريباً أن تسافر إلى دولة كافرة أو إلى دولة علمانية، أو إلى دولة شرقية أو غربية، فترى الخمور تباع علناً، وترى الدعارة مقننة، وترى الأرصفة مليئة بالفجرة والفسقة الذين يسهرون على الشراب والمنكرات، لكن في بلادنا الطبيعي والمؤمل والمنتظر كما نرى في المساجد رياض الجنة وحلق الذكر أن نرى على الطرقات من يكونون عوناً فيها، وإرشاداً للمارين (أما وإن جلستم فأعطوا الطريق حقه، قيل: وما حقه يا رسول الله؟ قال: كف الأذى، ورد السلام، وغض البصر) فهل الجالسون في طرقاتنا اليوم يقومون بحقوق الطريق؟ هل هم ينكرون المنكر ويأمرون بالمعروف؟ هل يعرفون أن أوقاتهم محسوبة عليهم؟ هذا منتظر منكم -أيها الشباب- وإني يوم أن أكرمني الله جل وعلا بحضور هذا المقام هذه الليلة، أطلب منكم طلباً واحداً، إذا حضرت فأريدك أن تأتي بشاب منحرف معك، لا أريدك أن تأتي بشاب قد منّ الله عليه بالمحافظة على صلاة الفجر مع الجماعة وسائر الصلوات، وشاب لا يسمع الملاهي ولا يشغل وقته بها، أو شاب أشغل وقته بالقراءة وطلب العلم، هذا قد سلك الطريق، وعرف الجادة، وظهرت عنده الحجة، واستقام على المحجة، ولكن أيها الشباب! أريد من كل واحد منكم أن يبحث في حيه عن أفجر وأفسق شاب في الحي، وأكثر شباب الحي انحرافاً، فيأتي به، ولو كان في جيبه الدخان، ولو كان في جيبه الصور، وإن كان أشعث أغبر متطاير الشعر، فأت به هنا إلى رياض الجنة، وإلى غسيل القلوب، وإلى طريق الحياة، فهنا البداية، اُدع والدعوة بإذن الله إذا ظهرت منكم بإخلاص واتجهت إلى إخوانكم بشفقة ورحمة وسمعتم ووافق السماع قلباً مستعداً بإذن الله جل وعلا سوف ترى المنحرف بالأمس إماماً اليوم، وسترى الضال بالأمس هادياً مهدياً في الغد، هذا هو الذي نرجوه، وهذا الذي نأمله يا شبابنا، لئن كانت هذه الجالسة في هذا الشارع، فإنا بحاجة إلى جلسات في شوارع عديدة.

شباب يقولون: أين أنتم؟ ما وجدنا من يحدثنا، ما وجدنا من يسلم علينا، ما وجدنا من يُهدينا شريطاً، ما وجدنا من يعطينا كلمة، ما وجدنا من يصبر على رائحة الدخان فينا قليلاً، ما وجدنا من يجلس معنا ولو تجهم وجوهنا، وأنكر ما يرى من ملامحنا، فليسمعنا، إن قلوب هؤلاء الشباب ليست غلفاً بمعنى لا يمكن أن تقبل الحق أبداً، ولكن يوم أن يأتي من يلينها بلطيف الموعظة، ودقيق الحكمة، ولذيذ الأسلوب، بإذن الله جل وعلا سيجد فيها خيراً كثيراً.