للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحياة التي لا معنى لها]

هذا حينما يكون للحياة معنى، أما الذين لا معنى لحياتهم فأولئك الذين يرون الحياة في لذة الجوف، ومتعة الفرج، ونظرة العين، وحلاوة الطعم، وما يشربون ويأكلون ويلبسون، وتلك وأيم الله فانية، تلك وأيم الله حياة قصيرة، تلك وأيم الله حياة لا معنى لها؛ لأنها يشاركنا فيها الدواب والبهائم والطيور وسائر بهيمة الأنعام.

حياة الذين لا معنى لحياتهم ماذا يجدون فيها؟ مهما بلغ الواحد من الثراء والنعم والأموال فإنه لا يلبس إلا ثوباً واحداً، ولا يرى إلا بعينين اثنتين، ولا يجد إلا أنفاً واحداً في بدن محدود القوة قصير الصحة مهدد بالسقم والآلام تصبحه أو تمسيه، حياة الذين يرون الحياة التي لا معنى لها، الذين يرون الحياة مطعما حياتهم في الحقيقة أيها الإخوة نغص ونكد وآلام.

من ذا الذي قد نال راحة عمره فيما مضى من عسره أو يسره

يلقى الغني لحفظه ما قد حوى أضعاف ما يلقى الفقير لفقره

فأبو العيال أبو الهموم وحسرة الرجل العقيم كمينة في صدره

أو ما ترى الملك العظيم بجنده رهن الهموم على جلالة قدره

ولقد حسدت الطير في أوكارها فرأيت منها ما يصاد بوكره

ولرب طالب راحة في نومه جاءته أحلام فهام بأمره

والوحش يأتي موته في بره والحوت يأتي حتفه في بحره

كيف التخلص يا أخي مما ترى صبراً على حلو القضاء ومره

الحياة التي تتعلق بالمتع أو بالملك أو بالوزارة أو بالإمارة أو بالجاه أو بالثراء أو بالسلطان هي حياة والله قصيرة، ولذلك عبر عنها إمام أهل السنة صاحب تاج الوقار في المنافحة عن منهج أهل السنة والوقوف عقبة كئوداً أمام البدعة أحمد بن حنبل رحمه الله، لما ابتلي بالقول بخلق القرآن وأوذي أذىً شديداً وعذب عذاباً بليغا، جلد بالسياط فتمزق قميصه، وبقي أثر السياط على جلده، دخل عليه ولده عبد الله بن الإمام أحمد، جاء ليسأل أباه: أين الحياة؟ أي حياة هذه؟ إمام السنة يعذب، إمام السنة في السجن، إمام السنة يعلق برجليه، إمام السنة يسجن في الجب والبئر، إمام السنة في ضيق والمبتدعة في سعة، إمام السنة في ضنك ونكد وأهل البدع على مفارش الحرير والنمارق والسندس، إمام السنة يبتلى صباح مساء وأولئك يتقلبون كيفما يشتهون، قال عبد الله بن الإمام أحمد: يا أبتي متى الراحة؟ أين الحياة؟ أين طعم الحياة؟ أين لذة الحياة؟ فقال الإمام أحمد: يا بني الراحة عند أول قدم نضعها في الجنة.

فحي على تلك المنازل.

فحي على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم