للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الارتباط بالله من مظاهر الحياة الحقة]

الحياة الحقيقية أن ترتبط النفس بالله جل وعلا، الحياة الحقيقية كما عبر عنها عبد الله بن حذافة السهمي لما بعثه عمر بن الخطاب رسولاً إلى الأكاسرة فماذا فُعل به؟ لما بعث رسولاً إلى الروم ماذا فُعل به؟ عرضوا عليه أن يتنصر فأبى فدعاه ملك الروم، وقال: أعطيك نصف ملكي وتدع دين محمد قال: لا، قال: أعطيك ملكي كله وتدع دين محمد، قال: لا، قال: فإنا نزوجك أجمل بناتنا، قال: لا، فعرض عليه المال, والجاه، والجمال، والشهرة، والمنصب، والمرتبة، فلما استنفدت وسائل الترغيب أغراضها وانتهت صلاحيتها بدأ التلويح بوسائل الترهيب والتخويف، فجاءوا برجل وقد أوقدوا ناراً عظيمة ونصبوا عليها قدراً يغلي بالماء والزيت فقذفوا واحداً من المسلمين لما ثبت على دينه ولم يرتد فأصبح لحمه يتطاير في هذا القدر وهو يراه، فلما رأى ذلك عبد الله بن حذافة السهمي بكى، فأُخبر القيصر بذلك فرد عليه: فقال: بلغني أنك لما رأيت صاحبك ألقي به في القدر، أخذت تبكي فما الأمر؟ أتعود عن دين محمد ونعطيك ما وعدناك به؟ انظروا إلى الذين يعرفون معنى الحياة، انظروا إلى الذين يعرفون حقيقية الحياة، ماذا قالوا؟ قال عبد الله بن حذافة: بكيت لأنه ليس لي إلا نفس واحدة وكم تمنيت أن لي مائة نفس تموت هذه الميتة في سبيل الله.

هذا حينما يكون للحياة معنى، كما قال صلى الله عليه وسلم في موقفه وفي حديثه صلى الله عليه وسلم: (وددت أن أغزو في سبيل الله فأُقتل) ما قال فانتصر أو فأغنم أو فتفتح لي قال: (وددت أن أغزو في سبيل الله فأُقتل) القتل هو بداية الحياة، (ثم أغزو ثم أُقتل ثم أغزو ثم أُقتل) ثلاث مرات يرددها صلى الله عليه وسلم، هذه هي الحياة الحقيقية حينما ترتبط النفوس بالله جل وعلا، ولكن أيها الأحبة من الذي يعرف قيمة الحياة؟ هل يعرف معنى الحياة من استهلك نور البصر والبصيرة بالأفلام والمسلسلات على ألوان الشاشات؟ هل يعرف قيمة الحياة من لا يجد للسماع مذاقاً إلا في الأغاني والملاهي والطرب والزمر والدندنة؟ هل يعرف للحياة معنى من لا يجد السعي إلا إلى مجالسة البطالين والعاطلين الذين تفنى أيامهم وتنقضي ساعاتهم وتشهد عليهم ملائكة الليل والنهار بغفلتهم وإعراضهم وإدبارهم وتشهد الأرض عليهم بما يقترفون ويشهد الناس عليهم بصدهم عن سبيل الله جل وعلا؟ أهذا هو معنى الحياة؟! لا والله، الحياة الحقيقية إما أن تكون في علم وتعليم، أو في بذل ومال ترضي به وجه الله، تسلطه على هلكته في الحق، أو تكون في جهاد في سبيل الله، أو تكون في عدل وقسط بين الناس، أو تكون في ركوع وسجود وما أطيبها إذا اجتمعت جميعاً.