للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مراحل الحياة بعد الموتة الأولى]

ولا يخفاكم أيها الإخوة لو كانت الحياة في مقياس الذين يقولون: نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر، أو مقياس المعاند المكابر الذي قال الله فيه: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:٧٨] وهذه الآية نزلت قيل في الوليد بن عقبة، وقيل في العاص بن وائل، وقيل في عبد الله بن أبي، وأئمة التفسير لا تفوتهم الفطنة قالوا: نزولها في ابن أبي مستحيل لأن الآية مكية وابن أبي إنما ظهر في المدينة، فهي نزلت في أحد هذين جاء بعظم قد رمّ يفته بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: يا محمد تزعم أن الله يبعثنا بعد أن نموت ونكون عظاماً رميماً كهذا؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، يميتك الله، ثم يبعثك، ثم يحشرك إلى جهنم.

ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء

أيها الأحبة! لا تظنوا أن من دفن انتهت حياته، انتهت المرحلة الأولى من الحياة، وانتقل إلى المرحلة الثانية ألا وهي حياة البرزخ؛ فإما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، إما أن يقول: ربّ أقم الساعة، ربّ أقم الساعة، لما يرى من نعيم في حياة البرزخ، وإما أن يقول: رب لا تقم الساعة، رب لا تقم الساعة، مما يرى من بدايات العذاب في دار البرزخ، والمرحلة الثالثة الحياة الأبدية حياة الجنة أو حياة النار، حياة في نعيم أو حياة في جحيم، حياة السعداء أو حياة الأشقياء، ينبغي أن نعرف أن معنى الحياة أن تمتد به آفاقنا وتفكيرنا وسعينا وحركاتنا وجهودنا لكي نبلغ تلك المنازل، حينئذ كما قال الإمام أحمد: حينما نضع أول خطوة أو أول قدم في الجنة، نكون قد بلغنا الحياة الحقيقية.

وهذه مراحل قبل الحياة، أو مراحل أولية {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [لقمان:٣٣] الحياة الدنيا من غرته فليست لحياته معنى، {وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:٣٣] إنما الحياة الحقيقية هي الدار الآخرة والحيوان الكامل {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:٦٤].