للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[افتقاد الأرض للأحياء الحقيقيين]

الحياة حينما يكون لها معنى فإن الكرام الكاتبين يعرفون حسناتك ويكتبونها في ذهابك وإيابك وكل حركاتك وملائكة الليل والنهار وشهود الله في أرضه، والأرض تحدث أخبارها بصلاحك وعبادتك وأعمالك، هذه حياة لأناس كان لحياتهم معنى فأثبتتها الأرض وشهدت بها، {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة:٤] كتبتها الملائكة وسجلت وسطرت في الكتب وادخرت لك في يوم عصيب، أما حياة أهل الترف والنعيم فاسمعوا قول الله جل وعلا فيهم حينما يكونون معرضين عن هدي الله وشرعه: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:٢٥ - ٢٩] الحياة الحقيقية هي التي يفقدك حتى الجماد، حتى الجمادات تفقدك بها، أما الحياة الهزلية والحياة الضعيفة التي لا معنى ولا قيمة لها، فمن ذا الذي يفقدك؟ من ذا الذي يسألك عنك؟ أي بناء كنت تبنيه فوقف؟ أي سعي كنت تسعى به فانقطع؟ أي صلاح كنت تدعو إليه ففقد؟ أبداً ما أكثر الذين عاشوا وما أكثر الذين فقدوا:

خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد

رب لحد قد صار لحداً مراراً والهاً من تزاحم الأضداد

أيها الأحبة! كم عاش على الأرض قبلكم؟ أمم كثيرة وملوك كثر! وأثرياء كثر! ولكن ما ذكر إلا طائفة كانت حياتهم حقيقية فهل تجعلون لحياتكم معنى؟ هل تجددون نمط الحياة فيما يرضي الله جل وعلا؟ هل تنتقل الحياة من الأنانية والأثرة وحب الذات والسؤال عن النفس والاقتيات الشخصي إلى الحياة الواسعة لخدمة قضايا المسلمين والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر الخير والمساهمة فيه، والدعاء للصالحين، على الأقل حياة القلوب بالدعاء لهؤلاء فيما يرضي الله جل وعلا.