للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المخرج من الفتن إلى الوحدة]

أيها المسلمون: إن حاجة الأمة إلى الوحدة الصحيحة على العقيدة السوية والمنهج القويم في هذه الحقبة خاصة فوق كل حاجة، وإن ما أصاب المسلمين يوم أن أصابهم، حتى تحول حالهم إلى هذا اليوم، إلى ما نراه في هذا اليوم، ما ذاك إلا للأسباب أهمها بعدهم عن كتاب الله، وتشتت وحدتهم، وتفرق صفوفهم، وذهاب ريحهم، واختلاف كلمتهم، وصدق الله إذ يقول: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:٤٦].

أما المخرج من هذا التيه، والخروج من هذا الضياع، فقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن بيَّن ونبأ أن الأمة ستواجه فرقة واختلافاً، ثم بيَّن المخرج من ذلك، ففي الحديث عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال: أوصيكم بالسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً).

وقد رأينا هذا الخلاف، وصدق رسولنا صلى الله عليه وسلم، ثم قال بأبي هو وأمي: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة) فبين صلى الله عليه وسلم أن الخلاف سيقع، وأن المخرج منه لزوم السنة.

أيها المسلمون: المخرج في صراط الله المستقيم {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:١٥٣] وهذا الصراط نأوي فيه إلى ركن شديد يعصمنا بكل معنى العصمة، يعصمنا من الزلل والتفرق، نأوي فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين، وكل معصوم لا يزل ولا يضل من لزمه ولم يبرحه.

فالقرآن محفوظ لم يفرط الله فيه عز وجل من شيء، والسنة مثل القرآن (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه) وقد قيض الله للسنة رجالاً وضعوا لها علماً لم يوجد في الدنيا له مثيل، يميزون به الصحيح من غيره، وينفون به عن السنة انتحال المبطلين، والإجماع معصوم، إذ لا تجتمع الأمة قاطبة على ضلالة، وإن حمل الأمة، وسوق الأمة، ودعوة الأمة، وبث الوعي في نفوس أبنائها باليأس، ندعو الأمة إلى اليأس والقنوط، نحمل الأمة على اليأس وننادي إلى القنوط من كل حل أو مشروع أو نظام أو منهج لا يرتبط بالمنهج المعصوم، وهو الإسلام، أو لا ينبثق منه.

إن هذا من المهمات التي يستطيعها كل واحد منكم، إن هذا من الأمور التي يستطيعها آحاد المسلمين، فضلاً عن النظم والمؤسسات، بمعنى أن يتقين عامة المسلمين، وأن يفقهوا معنى قول الله عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:١٢٤] إن حمل الأمة، ودعوة الأمة، ومناداة الأمة، وبث الوعي في نفوس أبنائها بأن كل عقدة أو مشكلة أو فتنة أو نازلة أو واقعة أو مصيبة لا ترد إلى كتاب الله وسنة نبيه؛ فإن ذلك يجعل الظلام دامساً، والمر علقماً، ولا يزيد الأمة إلا رهقاً، ولا يزيد الطين إلا بلة، ولا يزيد الأمور إلا تعقيداً، فما من مصيبة لا ترد إلى الله ورسوله، إلا وتتضاعف وتفرخ وتنتشر وتتنامى.

ولا حل إلا بالعودة إلى كتاب الله وسنة نبيه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:٥٩] بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب يمتعكم متاعاً حسناً، ويزدكم قوة إلى قوتكم.