للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آثار ومصائب المغالاة في المهور]

أيها الأحباب! إن المغالاة في المهور تجر مصائب كثيرة: أولها: الإسراف في وليمة النكاح التي تمد لها فرش الموائد مزينة بألوان الأطعمة ولذيذ أصنافها، ولا يؤكل منها إلا القليل، وبعدها أترضى أن توزع على المستحقين والفقراء؟ لا والله، بل تقذف في الفضلات، حيث ترمى بين أنقاض التراب بعيداً في البرية، والآلاف من غيرهم يجوعون ولا يجدون ما يأكلون، وإن جاء بعد ذلك من يأكل منها بعد انصراف الضيوف عن الموائد فلن يأكل إلا أقل القليل، والباقي مصيره ما تعرفونه وتشاهدونه في كثير من الملاهي والحفلات، وإن زواجاً أوله وبدايته إسراف وتبذير في نعمة الله، واحتقار لقدرها في كتابه؛ لحقيق أن يعاقب بالفشل والفرقة في وقت قريب.

وإذا تأملتم -أيها الأحباب- في واقع الزواجات المتواضعة، ذات الصداق المتواضع الذي لا كلفة فيه ولا مشقة، ترونها تسير براحة وعدم إسراف وتبذير، وتذكروا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لـ عبد الرحمن بن عوف: (أولم ولو بشاة) معنى ذلك: دليل على بركة الاقتصاد في هذا النكاح، وسبيل إلى التوفيق والمودة بين الزوجين فيه، ولكن الأدهى والأمر أن يأتي عائل مستكبر لا يملك شيئاً من المال إلا يسيراً، وقد تدين ذلك المال من أهل المداينات، ثم يخطب امرأة ويطلب منه من المال الشيء الكثير، ومن ثم يوافق على المهر؛ فيأخذ المهر على ما فوقه من الشروط والتكاليف، ويتم الزواج على ما يتم عليه في لحظة إسراف في الوليمة؛ فإذا انتهت أيام الولائم والأفراح وضع ذلك الزوج يده على خده، وثنى رأسه بين ركبتيه يتفكر في هم الديون العظيمة التي لحقته، فتنقلب حياته نكداً وشقاء عليه وعلى زوجته المسكينة الضعيفة، وإن من كرم الشمائل وتمام العقل أن ينظر الولي للمتقدم إلى ابنته؛ فإن قدَّم مهراً كثيراً رد عليه ما زاد عن المئونة المتواضعة والكافية لحاجة ابنته، لكي يكسب بذلك أجراً عظيماً من الله، ويكون أدعى للقرب منه، لما عرف من تواضعه وزهده، أما ما شاع بين الناس أن فلاناً أخذ على ابنته من المهر كذا، فليعلم أن الذي يرغب في مصاهرته بعد ذلك ويريد الزواج من بقية بناته أنه لا بد أن يقدم مهراً كالمهر الذي قدمه غيره أو ينافسه، وإلا فلا يقبل، وبها تبقى بناته واحدة بعد الأخرى في البيت لا نصيب لها بسبب ما جره صداق الزوج الأول، وقبول الولي لذلك الصداق دون مراعاة ودراسة لحال ذلك الذي قدمه.

نسأل الله جل وعلا أن يستر على بناتنا، اللهم لا تفضح لنا ستراً، ولا تكشف لنا عورة، واستر على بناتنا واجعلهن في كنفك وسترك وعافيتك من أيدينا أمانة إلى أزواجهم سعداء شرفاء، إلى قبورهم شهداء سعداء.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.