للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آثار حرمان المرأة من الزواج]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والند والمثيل والنظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، كل ذلك تعظيماً لشانه.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذ في النار.

معاشر الأحباب! إن مشكلة الغلاء هذه لمصيبة على الشباب والشابات، لمصيبة على الأولاد والبنات، ولا ندرك أثرها إلا يوم أن ينبت أول الشيب في رأس البنت، وبعد ذلك يندم ندماً عظيماً أن لو كان زوجها لذلك الفقير الذي لم يلبث سنوات قليلة إلا ورءاه قد أغناه الله من واسع فضله، لستم الذين ترزقون، الله وحده هو الذي يرزق: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [هود:٦] إذاً فلا نجعل فقر ذلك الفاضل أو قلة حاله سبباً لرده، أو قلة مهره سبباً لبعدنا عنه.

اعلموا يا معاشر الأحباب! أن ذلك قد يكون جريمة ينعكس على بناتنا ولا حول ولا قوة إلا بالله! سمعت مراراً أن رجلاً كان يرد عن ابنة له، فإذا تقدم الخاطب قال: هذا ليس من طبقتنا، وهذه عبارة كثيراً ما يرددها بعض الناس، هذا ليس عنده من المال ما يكفي لسعادة ابنتنا، يتردد الخطاب عليها واحداً تلو الآخر حتى جاوزت الثلاثين من عمرها، فلما اقتربت من الخامسة والثلاثين أينعت، وبعد أن أينعت ذبلت شهوتها وانكسر ذلك الشباب المتألق فيها، فاتجهت إلى الذبول رويداً رويداً، وأصابها مرض من الأمراض فاتجهت على هاوية الموت رويداً رويداً، طرحها ذلك المرض على الفراش أياماً وليالي وشهوراً، وانتهى بها ذلك المرض حول الأربعين إلى أن جاءتها سكرات الموت، وقبل ذلك وقف أبوها يبكي ولا ينفع البكاء حين ذلك، يعتذر لابنته ويشعر بجريمته يوم أن أوشكت هذه البنت أن تنتقل إلى الدار الآخرة، وقد حرمها نعمة الزواج، يسألها أن تحلله وأن تبيحه، فقالت: لا حلك الله ولا أباحك، وتشهدت وأسلمت روحها إلى بارئها، أترون ذلك الأب يعيش سعيداً إذا تذكر هذا المشهد، أو تذكَّر ذلك الموقف، وهو يرد عن هذه البنت المسكينة طمعاً في رواتبها؛ ويتعلل بأن من تقدم إليها ليس من طبقته أو ليس من أهل المال والثراء، هذه مصيبة ينبغي أن ننتبه إليها.

ثم اعلموا يا معاشر المؤمنين! أن عشرين ألف ريال أو خمسة عشر ألف ريال لشابٍ يسكن مع أهله لكافية في زواجه، هل من شرط الزواج أن ينام على غرفة نوم؟ لا والله، أي فراش على الأرض يكفي ذلك.

هل من شرط الزواج أن يقدم ملابساً بعشرة آلاف؟ لا والله، يكفي ما ستر العورة وما جمل الإنسان، وإن القليل القليل من ذلك المهر ليكفي.

هل من شرط الزواج أن يقدم وليمة تكلف عشرة آلاف ريال؟ لا والله، إذاً نحن الذين نعظم مشكلة الزواج، وإلا يوم أن نجد شاباً مستقيماً يعيش في كنف الله في بيت والده أو في سكن من السكن المهيأ له، أو نستطيع أن نساعده نحن في ذلك، فلنزوجه، وينبغي أن نفاتح البنت عندنا: يا بنية! جاءك فلان بن فلان معه كذا من قليل المال والله يرزقه، والله يتولاه والله يرحمه ويرحمك معه، ولعل ذلك سبب السعادة بينك وبينه إن قبلت هذا الزوج ورضيت به في حياة تبدأ على أساس من القناعة والاقتصاد، وإن الكثير من البنات ليقبلن ويرضين ولكن الآباء والأمهات هم الذين يرفضون ويمتنعون، وبعد ذلك يتندمون إذا تعدت البنت ثلاثين أو أربعين سنة ولم تجد زوجاً، ومن ذا الذي يتقدم لبنت الثلاثين أو الأربعين والبيوت ملأى من البنات في سن المراهقة؟ من ذا الذي يتزوج هذه؟! من ذا الذي يتزوج هذه ولو زوجة ثانية ومجتمعنا يرى أن الزواج من زوجة ثانية أمر غير مرغوب فيه؟! أسال الله تعالى أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يدمر أعداء الدين، وأن يبطل كيد الزنادقة والملحدين الذين أدخلوا علينا التقاليد والعادات التي يريدون بها لشبابنا تغيراً ويريدون لبناتنا فتنة، ويريدون لمجتمعنا تفككاً.

اللهم من أراد بولاة أمورنا فتنة، وأراد بشبابنا انحلالاً، وأراد بنسائنا تبرج وسفور اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميراً عليه، وأدر عليه دائرة السوء، وأرنا فيه يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف.

اللهم استر على ولاة أمورنا وانصرهم بالإسلام وانصر الإسلام بهم، اللهم أصلح بطانتهم، اللهم اجمع شملهم، ولا تفرح عليهم عدواً ولا تشمت بهم حاسداً.

اللهم اجعل لنا من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاءٍ عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة.

اللهم زوج شباب المسلمين، اللهم بارك لهم في أزواجهم، اللهم استر على نساء المسلمين، ووفق شباب المسلمين، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم اغفر لنا ولموتانا الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك.

اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.

إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.