للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر الجهل على المجتمع]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل، وعن الند والنظير، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، كل ذلك تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ شد في النار.

عباد الله: إن بعض المسلمين من الذين لا يقرءون ولا يكتبون لا يأبهون ولا يبالون بما يدعون إليه من الانضمام إلى حلقات العلم، أو مدارس محو الأمية ومتابعة التعليم بحجة أنهم في شغل شاغل عن هذا، وهذا أمر في غاية الخطأ والبعد عن الصواب، ولن يدركوا خطورة هذا إلا بعد سنين طويلة حيث يضطر الواحد منهم طائعاً أو مختاراً إلى ترك المشاغل إما لكبر سنه أو لسبب غير ذلك، وبعد ذلك سيصبح قلقاً من طول الأوقات ومرور الساعات، وسيشعر بالفراغ القاتل فعلاً وهو يرى كبر سنه وانشغال من حوله بأعمالهم، ولا شك أن مآلهم إلى ما آل إليه.

لكن -يا عباد الله- لو أن ذلك الرجل الكبير قَبِل النصيحة يوم أن سمعها، وبادر بالالتحاق إلى مراكز محو الأمية ومتابعة التعليم للكبار لاستفاد من ذلك أعظم فائدة وأربح تجارة، أتدرون ما هي؟ إنها القدرة والاستطاعة على تلاوة كتاب الله جل وعلا، وهذا أمر ملحوظ مشاهد حينما تدخل مسجداً من المساجد وترى كبار السن قد تسابقوا وتقدموا إلى المسجد، فمنهم من تراه ممسكاً بمصحفه مكباً على قراءة كتاب الله، كل حرف بحسنة، وكل حسنة بعشر أمثالها، وترى البعض منهم يتمنى أن لو كان كصاحبه القارئ كتاب الله، لكنه حرم هذا بتفريطه أو بتهاونه بالتعليم ولو كبيراً، لكنه يشتغل بالتسبيح والتهليل.

وترى البعض هداهم الله لا بهذه ولا بتلك مشتغل، بل انشغلوا بالحديث عن أمور دنيوية أو أعراض غافلة، وهم في بيت الله سبحانه وتعالى عياذاً بالله من ذلك، وما ضر الواحد إذا كان من الذين لا يحسنون القراءة والكتابة، ما ضره لو تعلم القراءة والكتابة فاستطاع بذلك أن يقرأ كتاب الله جل وعلا، واستطاع بذلك أن يجلب الخيرات والحسنات العظيمة المضاعفة إلى صحائف أعماله بتلاوة كتاب الله، والتلاوة لا تحتاج إلا إلى فهم القراءة، وقراءة الحروف وتدبرها ومعانيها، وكتاب الله جل وعلا بعد ذلك خير معين على فهم جوانب هذه القراءة.

ثم إن الذي يستطيع القراءة والكتابة يمكن أن يستفيد وأن يدرك شيئاً كثيراً من حلقات العلم المعقودة في المساجد، ويمكن أن يستفيد كثيراً من المحاضرات والمواعظ والندوات سواءً سمعها في الأشرطة أو غير ذلك، وإن الذي يحسن القراءة والكتابة يستطيع أن يفيد أولاده الصغار وأن يساعدهم، ولو كان كبيراً فقد يعين ويساعد أحفاده، يساعد أولاد أولاده في القراءة والكتابة، وهذا اشتغال بأمر جد عظيم ومفيد إن شاء الله.

إذاً: فما الذي يجعل البعض منا يتردد في أن يلتحق بمدرسة تمحو أميته، وتنبذ وتبعد عنه سمة الجهل والجهالة؟ إن الذي يتردد بعد هذا، إن الذي يبتعد عن هذه المدارس وهو بحاجة إلى تعلم القراءة والكتابة مخطئ في حق نفسه خطأً عظيماً، وأي شيء أعظم من أن يحرم نفسه قراءة كتاب الله سبحانه وتعالى؟ أما البلية العظمى والداهية التي أكبر منها أن تجد شباباً لا زالوا في ريعان الشباب لا يقرءون ولا يكتبون، ومثل ذلك يوجه لهم الحديث خصوصاً، وتضاعف لهم النصيحة مضاعفة، ينبغي لهم أن يبادروا إلى التعلم ونفي الجهل والجهالة عن أنفسهم؛ إذ أن الجهل مدعاة إلى الفراغ، والفراغ مدعاة إلى الانحراف والجريمة، وحسبكم أن تعلموا أن جملة عظيمة من الإحصائيات الواردة في جرائم الاختطاف والسرقات والمخدرات والخمور وغيرها، أن نسبة عظيمة من الذين يتعاطون هذه الأمور هم الذين لا يقرءون ولا يكتبون أو من الذين تعلموا تعليماً ضعيفاً.

وإن البعض منهم نتيجة لهذا الأمر يكون عاجزاً عن نوال وظيفة مناسبة يخدم فيها أمته، ويجلب فيها رزقاً حلالاً إلى نفسه، فيضطر بعد ذلك بإقناع شيطاني أن يلتفت إلى سبل الحرام والمتاجرة بالمحرمات أياً كان ذلك النوع، إما أن يفتتح محلاً للفيديو يبيع فيه أفلاماً لا يعرف إلا اسم هذا الفلم أو ذلك الفلم، وهذا ما يفلح فيه أو يستطيع، أو يفتح محلاً يبيع فيه الأغاني والأشرطة، أو يتاجر بأمور محرمة، أو يخاطر بمخدرات يمنعها الشرع وتحضرها الدولة ويعاقب عليها القانون وولاة الأمر، كل ذلك أمر خطير جداً.

إذاً: فإن العلم شرف وفضل ومنزلة رفيعة سامية، ومن حرم هذا الشرف وهذه المنزلة فقد قاد نفسه طائعاً أو مكرهاً إلى سبيل لا يرضاه ولا تحمد عقباه.

معاشر المؤمنين: نسوق هذا الكلام ونحن قرب مناسبة تسمى "اليوم العالمي لمحو الأمية".