للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عقوبات فعل المعصية]

فأذكر لكم أولاً حادثة مدارها والعبرة فيها على أن المعاصي وإن كانت صغيرة فإن شؤمها عظيم، يقول شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية رحمه الله: هناك بشر أو أناس يفعلون المعاصي، فإذا لم يعاقب على المعصية بعد فعلها فوراً يظن أنه قد نجا من شؤمها وسلم من إثمها وعقوبتها، على حد قول القائل:

إذا لم يغبر حائط في وقوعه فليس له بعد الوقوع غبار

الجدار إذا سقط اليوم هل يغبر بعد ثلاثة أيام؟ إذا لم يغبر الآن وإلا فلن يكون له غبار، بعض الناس يظن أن المعصية كذلك، أنه إذا لم تنل عقوبتها فوراً فإنك قد سلمت منها ولن تنال منها شؤماً أو أذىً، وليس بهذا صحيح؛ لأن شأن المعاصي يختلف، بل إن من المعاصي ما يكون شؤمه ولو بعد أربعين سنة، ومنها ما يكون شؤمه عند الموت، ومنها ما يكون شؤمه في أشد الأحوال التي يحتاج الإنسان فيها إلى نفسه، وابن القيم على جلالة قدره ذكر عدداً من الأخبار التي بين فيها شؤم الذنوب والمعاصي، قال: ومن عقوباتها، ومن عقوباتها، ومن عقوباتها ذكر أربعة وسبعين عقوبة وشؤماً وبلاءً وفساداً وضرراً يحصل من المعصية، وأذكر شيئاً بسيطاً مما ذكر ابن القيم وأعود إلى قصتي لكم.

يقول ابن القيم: ومن عقوباتها أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه، وذكر قصة رجل أنه لما حضرته الوفاة فقيل له: قل "لا إله إلا الله" فأصبح يغني:

ورب سائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب

يا فلان: قل: لا إله إلا الله، فأصبح يغني:

ورب سائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب

وآخر قيل له: قل لا إله إلا الله، فقال: أوه! هذا فتن حار.

وآخر قيل له: قل: لا إله إلا الله، فقال: (ده يازده) كلمة فارسية معناها: العشرة بخمسة عشر كان مرابياً.

فأدلل هذا الكلام تأييداً لقول ابن القيم أن المعاصي يكون شؤمها ولو بعد حين، وبعض المعاصي تكون بدايتها سهلة أو هي في نظرك سهلة وإن كانت ليست سهلة، بل عظيمة وخطيرة وشنيعة؛ لكن البعض قد يراها سهلة هينة فيقع فيها، وما يعلم أن لها شؤماً وإثماً وحوباً وعاقبةً وخيمة.