للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطر التساهل بالصغائر]

الذنوب -أيها الأحبة- التي يتساهل بها كثير من الشباب، فكثير من الشباب والشابات يتساهلون بجملة من الذنوب والمعاصي منها هذه المعاكسة، لا أقول: المعاكسة وحدها، بل إن لكل ذنب شؤماً بطريقة لا تخطر على بالك، كيف يتفاقم شؤم الذنب وكيف يكون خطره:

كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر

كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر

يضر خاطره ما سر ناظره لا مرحباً بسرور عاد بالضرر

إن صغار الذنوب أمر يتساهل به كثير من الناس، كقوم اجتمعوا -كما جاء في الأثر- وأرادوا أن يوقدوا ناراً، فجاء هذا بقشة وهذا بعود وهذا بقطعة حتى أضرموا ناراً عظيمة، فمثلها مثل الذنوب نتساهل بصغارها، فإذا اشتعلت على صاحبها أوقدت عليه ناراً عظيمة وتأججت وأحرقته بشؤمها وعذابها وويلها.

خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى

وافعل كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى

هذه الصغائر التي نتساهل بها في أنفسنا في ذواتنا في بيوتنا في شخصياتنا في أحوالنا المختلفة هي شؤم خطير، وحسبكم أنها تحجبنا أن نصل إلى منازل الأبرار والمقربين، إن أناساً -وإن كنت تعرفهم بحسن السيرة والاستقامة- بقوا على ذلك المستوى إن لم ينحدروا عنه، لماذا لم يترقوا في دين الله؟ لماذا لم يرتفعوا في بركة الله وفضل الله؟ لقد حجبتهم الصغائر، لقد حجبتهم الذنوب التي تساهلوا بها فبقوا على مكانهم.

لذلك -أيها الأحبة- إننا أحوج ما نكون إلى محاسبة النفوس محاسبة شديدة، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بقوله: (أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة تقوى الله وحسن الخلق) ولماذا كانت التقوى وحسن الخلق أثقل الأمور التي توضع في الميزان؟ أخبركم بهذا والأمر جلي.

أما التقوى فلأنها علاقة السر بينك وبين الله، وأما حسن الخلق فلأنه مقياس المعاملة بينك وبين الناس، فمن أحسن المعاملة مع ربه وأحسن المعاملة مع خلق الله كان ذلك العمل من أثقل ما يوضع في موازين أعماله يوم القيامة: (اتق الله حيثما كنت) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون} [آل عمران:١٠٢] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:١٨] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [الأحزاب:٧٠] الأمر بالتقوى كثير في كتاب الله جل وعلا؛ لأنه العلاقة السرية التي تحجبك وتراقبك وتحاسبك أن تفعل شيئاً وأنت تقدر عليه، لا يردعك عنه جهاز أمن أو تصنت أو خبير أو رقيب أو حسيب إلا الله جل وعلا.

حينما تكون التقوى قوية، حينما تكون التقوى في النفوس حاضرة غير غائبة فأبشر بالخير وكما يقول ابن القيم: اتق الله ونم في أي مكان شئت بين السماء والأرض.

حينما تحصل التقوى، مراقبة الله عن الصغائر قبل الكبائر، عن الذنوب التي يتساهل بها الكثير منا ويفعلها، وبعضهم لا يزال يعد نفسه مع الأتقياء ومع الملتزمين ومع الصادقين، ومع الأبرار المقربين وهو يتساهل في جملة من الذنوب لو جمعت لاستحى أن تظهر أمام الناس، فالله أحق أن يستحيا منه.

في السنن -والحديث الصحيح- يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن رجالاً يأتون يوم القيامة بأعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباءً منثوراً، قال صلى الله عليه وسلم: إما إنهم مثلكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، فقالوا: يا رسول الله! صفهم لنا، جلهم لنا، فقال صلى الله عليه وسلم: إنهم كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) التساهل بالذنوب والوقوع في المعاصي والآثام من غير مراقبة ولا استحضار لوقار الله سبحانه وتعالى، ولذلك نوح عليه السلام لما تنوعت أساليب قومه عرف السبب الذي جعلهم يعرضون.