للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حذر الصحابة من الذنوب]

نقول -أيها الأحبة- إن هذه المسألة من أهم الأمور والمسائل التي هي حسن العلاقة وحسن المراقبة فيما بيننا وبين ربنا جل وعلا، وإذا علمنا أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا على الرغم من أنهم مبشرون بالجنة بقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وعلى الرغم من أعمالهم التي سبقوا بها في دين الإسلام، وجيشوا الجيوش وفتحوا الأمصار كانوا يتخوفون من صغار الذنوب ويخشونها.

أبو بكر الصديق يقول: [يا ليتني كنت شعرة في صدر عبد من عباد الله] وهو المبشر بالجنة، وعمر بن الخطاب لما حضرته الوفاة جاء عبد الله بن عمر -ولده- يضعه على فخذه فقال: [وحيك يا بن عمر! ضع رأسي على الأرض، ويلي إن لم يرحمني ربي!] وهو المبشر بالجنة، فإذا كان هذا فعل المبشرين بالجنة فما فعلنا يا عباد الله؟ وكان صلى الله عليه وسلم يطيل القيام حتى تفطرت قدماه، وتقول عائشة: (يا رسول الله! ألم يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: يا عائشة! أفلا أكون عبداً شكوراً؟!) أين نحن من أولئك؟ تلت عائشة رضي الله عنها قول الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:٥٩ - ٦٠] قالت عائشة: يا رسول الله! ((وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا)) يفعلون ما فعلوا ((وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)) خائفة ((أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)) هل هم الذين يزنون؟ هل هم الذين يسرقون؟ هل هم الذين يشربون الخمر؟ قال: (لا يا بنت الصديق، أولئك أقوام يصومون ويصلون ويتصدقون، ومع ذلك قلوبهم وجلة خائفة يخشون ألا يتقبل الله منهم).

فيا أحبتي في الله: أين نحن من عمالقة الإسلام وقمم التقوى الذين بلغوا في الصلاح ذروته، وفي الزهد والعلم والتقى غايته وهم يخشون سوء العاقبة؟ الحسن البصري لما حضرته الوفاة بكى، فقيل له: أتبكي وأنت أمير المؤمنين في الحديث؟ قال: ذكرت قول الله جل وعلا: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} [الزمر:٤٧ - ٤٨].