للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أب وابن يلتقيان في أرض الجهاد]

هذه قصة لشاب من الإمارات كنيته: أبو سليمان، كان شاباً مدللاً، عطراً ناعماً، مترفاً، وسيماً، من أسرة غنية وثرية أراد أن يذهب إلى الجهاد، وكان الأب يضمر في قلبه، حب الجهاد لكن يخشى على الولد، فلم يجد إلا أن يختار للولد دراسة لإكمال دراسته خارج الإمارات فأعد ذلك الشاب، أعدت ملابسه الحريرية الناعمة، وأصناف وأشكال عطوراته لكي يذهب إلى بريطانيا لإكمال دراسته.

الحاصل -أيها الإخوة- أن الشاب تأثر من إمام المسجد بكلمة عن الجهاد فأضمر في نفسه أن يجاهد، وطلب من أهله أن يجاهد، فخافوا عليه ورفضوا، وكانت أسرته بها نوع من التساهل واللامبالاة في بعض الأمور الشرعية، فما كان منه إلا أن وافق على مرأى منهم ومسمع أن يسافر لـ بريطانيا، فسافر إلى بريطانيا ومن مطار لندن حجز ليعود إلى إسلام أباد.

وفعلاً عاد وليس عنده عن الجهاد معلومات إلا رقم هاتف مجلة البنيان المرصوص، فاتصل على مكتب المجلة ورد عليه شاب سعودي " عبد الله أبو يزيد " أعرفه، قال: أنا فلان من المكان الفلاني.

قال: لماذا تكلمني بصوت منخفض؟ قال: سمعت أنهم يختطفون -شاب صغير، خريج ثانوية- وأنا أخشى على نفسي، أريد أن تستقبلني، أريد أن تأخذني.

قال: فجئت وأخذته إلى مقر مجلة البنيان المرصوص، فلما وجدته إذا بالشاب عليه (كرفته) و (ياقة) و (قميص) وعطر، يقول: والله الصالة تفوح من رائحة عطره، ولما ذهبنا به إلى بيت الأنصار نسلم الأمانات التي عنده، التليفر شكس، دفاتر شيكاته سياحية، وعطوره وملابسه، وأشياؤه عجيبة جداً، قال: فجعلناها في صندوق الأمانات ثم ألبسناه لباس المجاهدين.

ولما لبس لامته ذهبوا به إلى معسكر صدى، ثم انتقلوا من صدى إلى منطقة خلدن، فلما أقبل إذا برجل يجاوز الخمسين أو يقارب الستين من عمره يهندس في سيارة كانت واقفة، فلما التفت ذلك الذي يصلح السيارة إذا به يصرخ صرخة الفرح والولد مثله، ثم يحضن بعضهم بعضاً، أتعلمون من الولد ومن الآخر؟ هذا أبوه سليمان وهذا الولد خالد، خالد يكنى بـ أبي سليمان والأب يكنى بأبي خالد، فإذا بهما يلتقيان ويتعانقان ويبكيان مدة، والولد قد أرسل لأهله رسالة أنه عاد من لندن إلى الجهاد، وأخذ يتابع أخبار أهله.

يقول لي أبو يزيد: والله كنت أسمع منه حديثاً مع والده: كيف والدتك؟ كيف أخواتك؟ وهو يطمئن والده يقول: أبشرك أنهم بخير، أرسلت لهم رسائل وأخبرتهم أنني ذاهب للجهاد عسى الله أن يقبلني شهيداً وأشفع لهم إلى آخر ذلك.

فيا أحبتي في الله: اعلموا أن الدنيا التي تمكنت في قلوبنا، وأن مظاهر الرفاهية والحياة والتحضر والتمدن التي عشنا فيها الآن لم تقطع طائفة قليلة من عباد الله أن ينالوا معالي الأمور، آباءً وأبناءً ورجالاً وشباباً وشيباً، فأسأل الله جل وعلا أن يجعل في قلوبنا حباً لدينه، وحباً للبذل والتضحية والتفاني والشهادة في سبيله سبحانه وتعالى.

فيا معاشر المؤمنين: هذا ما اخترتموه من الحديث معكم وإن كان في خاطري أن أحدثكم بغيره، لكن فيها والله عبر، في الأولى عبر، وفي الثانية عبر، وفي الثالثة عبر: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:٣٧].