للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية أسلوب الدعوة الفردية]

أيها الأحبة! هناك وسيلة مهمة من وسائل الدعوة إلى الله أوصيكم ونفسي بها، وأُحملكم ونفسي مسئوليتها، والدعوة إليها، ونشرها، والعناية بها ألا وهي: الدعوة الفردية، فإن كثيراً من الناس لا يعلم عن هذا شيئاً، وبعض الناس يظن أن الدعوة بالوسيلة الفردية استعمال لوسيلة ضعيفة غير مؤثرة، وليس هذا بصحيح، بل إن الرجال الأشاوس الأفذاذ الذين نفعوا الأمة لو رجعت إلى تاريخهم لوجدت أصل تربيتهم دعوة فردية تلقوها من عالم في حلقة علمه، وإمام ترسموا خطاه في منهج سلوكه في حياتهم.

إذاً: الدعوة إلى الله بالوسيلة الفردية لا تغني عنها الوسائل الجماعية في الدعوة، من الممكن والميسر أن توزع مئات أو آلاف الأشرطة، ومئات أو آلاف الكتب، وتخاطب المئات أو الآلاف من الناس في محاضرة أو ندوة، ولكن ثق وتيقن واعلم أن عدداً كبيراً من هؤلاء لم تنفذ رسالة الدعوة إلى قلوبهم، ولم تبلغ صميم أفئدتهم؛ الأمر الذي يشكك في أثر هذه المواعظ على جوارحهم وحواسِّهم.

أما التربية الفردية، أما الدعوة الفردية، فلها- بإذن الله- منزلة ومنفعة عظيمة، ولست بهذا أقلل من شأن الدعوة إلى الله بالوسائل العامة، أو بطبع الكتب وتوزيعها، ونسخ الأشرطة وتوزيعها، أو مخاطبة الجموع عبر الخطب والمحاضرات والندوات، ولكن ينبغي أن يكون لكل داعية ولكل فرد منكم جهد واضح، ومعالم بينة في الدعوة إلى الله بالوسيلة الفردية.

أتدري ما هي الدعوة الفردية؟ اتصال فردي بواحد أو اثنين، فإن ذلك أدعى- بإذن الله- إلى التأثر، وإن ذلك- بإذن الله- أدعى إلى التربية الحقيقية، والاستقامة النافعة، ولها أثرٌ بالغٌ، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} [سبأ:٤٦] الدعوة إلى الله بالوسيلة الفردية دعوة إلى مخاطبة العاطفة والفكر، دعوة إلى مخاطبة القلب والعقل، وتأثيرٌ على السلوك، واقتداءٌ في المعاملة، ولأجل ذلك كان الاقتداء من أجلِّ طرق التأثر والتأثير في الدعوة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب:٢١] ويقول الله تعالى لنبيه، والخطاب للنبي بالأصالة، ولعموم الأمة بالتبع: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:٢٨].